المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

191

مشكوك الحرمة.

وأمـّا القسم الثاني: وهو حصول الاضطرار بعد العلم بالحكم، فيمكن أن يتخيّل فيه الانحلال، وجريان الأصل بعد طروّ الاضطرار؛ إذ قد خرج أحد طرفي العلم الإجماليّ عن الطرفيّة بعد حصول الاضطرار بالقطع بالترخيص والإباحة، فليس هنا علم إجماليّ بالتكليف، نعم كان يوجد لنا قبل الاضطرار علم إجماليّ بالتكليف مردّد بين هذا وذاك، ولكن ذاك العلم الإجماليّ لا ينجّز الطرف غير المضطرّ إليه في زمان الاضطرار إلى الطرف الآخر، لأنّ العلم الإجمالي لا ينجّز الحكم في الزمان الثاني بوجوده الحدوثيّ، وإنـّما ينجّزه بوجوده البقائيّ.

ويرد عليه: ما ذكره المحقّق الخراسانيّ (رحمه الله) في حاشيته على كفايته، وأوضحه(1) المحقّق العراقيّ (قدس سره) من أنّ هذا يكون من قبيل العلم الإجماليّ بأحد تكليفين: أحدهما طويل، والآخر قصير، فإنـّا علمنا إجمالاً بوجوب الاجتناب عن الماء من الساعة الاُولى إلى الساعة الثانية التي جاء فيها الاضطرار، أو وجوب


والجواب: أنّ مصبّ البراءة في مورد العلم التفصيليّ هو نفس ما علمنا بالملاك فيه، وبمطلوبيّته على تقدير القدرة، فيقال فيه بحكم العقل بالتنجيز، وانصراف أدلّة الاُصول الشرعيّة عنه، ويكون التكليف فيه قابلاً للتنجيز على كلا التقديرين، أمّا على تقدير ثبوت القدرة، فالتكليف يقبل التنجيز بمقدار الامتثال، وأمّا على تقدير العجز فلأنّ العجز غير محرز، فالتكليف قابل للتنجيز بمقدار محاولة الامتثال، وأمّا في المقام فالمعلوم هو الجامع بين ما لا يقبل التنجيز يقيناً، وهو الطرف المضطر إليه، وما يقبل التنجيز، وهو الطرف الآخر، وهذا العلم لا ينجّز عقلاً، كما أنّ الاُصول الشرعية غير ساقطة بالتعارض؛ لعدم التعارض، وغير منصرفة عن المورد؛ لأنـّنا نجريها عمّا شككنا في التكليف وفي الملاك فيه، وهو الطرف غير المضطرّ إليه، لا عمّا علمنا بالملاك وبالطلب فيه على تقدير القدرة مع الشكّ في القدرة، كما في مورد العلم التفصيليّ.

(1) المحقّق العراقيّ (قدس سره) ذكر في المقام: أنّ المسألة تدخل في العلم الإجمالي تدريجيّات، راجع نهاية الافكار: القسم الثاني من الجزء الثالث، ص 254 و 350، والمقالات: ج2، ص 91 و 67 ـ 68)، ولكنّه لم يذكر ذلك بعنوان توضيح كلام المحقّق الخراسانيّ، فلعلّ مقصود اُستاذنا (رحمه الله)هو أنّ المحقق العراقي وضّح أصل المطلب، لا أنـّه وضّح كلام المحقّق الخراسانيّ، أو لعلّه وقع اشتباه في عبارته (رحمه الله) أو في قلمي بين المحقّق العراقيّ والمحقّق الاصفهانيّ، فإن المحقّق الاصفهانيّ هو الذي شرح في تعليقته على الكفاية ما أورده المحقّق الخراسانيّ في تعليقته عليها، فراجع المجلّد الثاني من تعليقة المحقّق الاصفهانيّ على الكفاية، ص250 ـ 251.