المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

251

بالإجمال ليست تمام الموضوع لوجوب ايقاع الحدّ، بل يكون موضوعه مركّباً من خمرية الشيء وشربه، ففي هذا المثال ـ أعني مثال العلم بخمرية أحد المائعين ـ يكون العلم الإجمالي منجّزاً لبعض أحكام متعلّقه، كحرمة الشرب، وغير منجّز لبعض أحكامه الاُخرى كوجوب إجراء الحدّ؛ لأنّ متعلّقه كان تمام الموضوع لبعض تلك الاحكام، وكان جزء الموضوع للبعض الآخر ولو كان جزء الموضوع لتمام أحكامه لما تنجّز شيء منها.

ففي ما نحن فيه لو فرض أنّ المعلوم إجمالاً نجاسته كان ماءً مثلاً، فقد نجّز هذا العلم بعض أحكامه، كحرمة شربه أو التوضّوء به؛ لأنّ نجاسته تمام الموضوع لذلك، ولكن لا ينجّز هذا العلم حرمة الملاقي، لأنّ نجاسة المعلوم ليست تمام الموضوع لهذه الحرمة، بل موضوعها مركّب من النجاسة والملاقاة، والعلم الإجمالي قد تعلّق بالجزء الأوّل فحسب، فقد حصل هنا التبعيض في أحكام المعلوم بالإجمال، فتنجّز بعضها ولم يتنجّز البعض الآخر، كما إنـّه قد لا يتنجّز بهذا العلم شيء من الأحكام أصلاً، كما لو فرض متعلّق العلم الإجمالي بالنجاسة عبارة عن أحد الدرهمين، فهذا العلم لا ينجّز شيئاً من الحرمات، لأنّ معلومه ليس إلّا جزء الموضوع لأحكامه، وليس موضوعاً تامّاً لحكم من الأحكام؛ إذ ليس الدرهم مأكولاً أو مشروباً أو ملبوساً في الصلاة. نعم إنْ لاقى لباسٌ الدرهمَ النجسَ برطوبة، حرمت الصلاة فيه، وإن لاقاه شيءٌ مأكولٌ أو مشروب حرم أكله أو شربه، ونجاسة الدرهم النجس لم تكن إلّا جزء الموضوع لهذه الحرمات، وكان الجزء الآخر عبارة عن الملاقاة.

وهكذا الحال لو فرضنا أنّ المعلوم بالإجمال في أحد الطرفين كان تمام الموضوع لحكم، ولكن في الطرف الآخر لم يكن كذلك، فمثل هذا العلم الإجمالي لا أثر له؛ لأنـّه لم يثبت العلم بشيء يكون تمام الموضوع للحكم، فلو كان أحد الطرفين المعلوم إجمالاً نجاسة أحدِهما ماءً، والآخر درهماً، حلّ شرب الماء أو التوضّوء به، ولم يتنجّز علينا أيّ حكم من الأحكام، إذ لم يحصل العلم بحكم، ومن هنا يحكم في الماءين المسبوقين بالكرّيّة، إذا نقص أحدهما غير المعيّن عن الكرّ، ثم لاقى أحدُهما النجاسة بطهارة ذلك الماء بحكم استصحاب الكرّيّة، من دون أن يكون هذا الاستصحاب معارضاً باستصحاب كرّيّة الآخر، إذ لا أثر فعلي لكرّيّة الآخر، وليس العلم بعدم كرية أحدهما علماً بالتكليف بالفعل.