المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

252

أقول: إنّ القانون الذي ذكروه في المقام ـ من أنّ تنجيز العلم بشيء للحكم المتعلّق به مشروطاً بكونه تمام الموضوع له ـ في غاية المتانة، إلّا أنّ هنا اشتباهاً عامّاً في تطبيقه في كثير من الموارد، نشأ من الخلط بين الحرمة التكليفيّة والحرمة الوضعيّة، وسوقهما مساقاً واحداً. وتوضيح ذلك: أنّ هناك فرقاً بين الحرمة التكليفيّة المتعلّقة بالماء النجس ـ وهي حرمة الشرب ـ والحرمة الوضعيّة المتعلّقة به ـ وهي حرمة التوضّوء به مثلاً ـ فالحرمة الاُولى ليست فعليّة قبل وجود الماء النجس، سواء قدر العبد على إيجاده أو لم يقدر، فإن لم يقدر فمن المستحيل ثبوتاً فعليّة حرمة شرب الماء النجس عليه؛ لخروجه عن تحت القدرة، وإن قدر على ذلك، فالمانع الثبوتي وإن كان مرتفعاً عندئذ، لكن ظاهر دليل حرمة شرب النجس هو كون الحرمة مشروطة بوجود النجس خارجاً، فحرمة الشرب غير فعليّة قبل وجود الماء النجس(1) . وأمـّا حرمة التوضّوء به، وكذا حرمة لبس اللباس النجس في الصلاة،


(1) لعلّ هذا الكلام نتج من قياس مثل (لا تشرب النجس) بمثل (أكرم العالم)، فكما يقال في (أكرم العالم): إنّ الحكم ليس فعليّاً قبل وجود موضوعه؛ ولذا لو لم يوجد عالم لم يجب على المكلّف أنْ يوجد العالم كي يكرمه، كذلك يقال في، (لا تشرب النجس): ليس الحكم فعليّاً قبل وجود موضوعه.

ولكنّنا نرى أنّ الفهم العرفي يفرّق بين باب الأوامر وباب النواهي، ففي باب الأوامر يحمل عرفاً ـ في الأعم الأغلب ـ متعلّق المتعلّق على أنّ الحكم معلّق عليه، لا على كونه قيداً للمتعلّق، كي يجب إيجاده مقدّمة لإيجاد المتعلّق، ولعلّ السبب في ذلك أنّ الغالب في الأوامر العرفية اختصاص الملاك بفرض وجود متعلّق المتعلّق، فلو قال المولى العرفي مثلاً: «أكرم الضيف»، يكون الملاك في الإكرام إذا وجد الضيف، فلا يطلب استضياف أحد مقدمةً لإكرامه. أمّا في باب النواهي فالأمر على العكس من ذلك تماماً، أي: أنّ الملاك في النهي ـ الذي هو المفسدة في الفعل ـ غالباً يكون ثابتاً حتى لدى عدم وجود متعلّق المتعلّق، فالسمّ مثلاً ـ الذي فرضنا أنّ المولى العرفي نهى عن شربه، لما فيه من الضرر ـ لا يختصّ اتصافه بالضرر بفرض وجوده، ولذا ترى أنّ العقلاء يبغضون شرب السمّ، سواءً كان السمّ موجوداً، أو غير موجود.

ولا أقصد بهذا الكلام استحالة عدم فعلية الحكم في باب النواهي قبل فعليّة الموضوع، فإنـّه أولاً: قد يتّفق اختصاص الملاك بفرض وجود الموضوع، كما لو فرضنا أنّ ملاك الحكم كان في الجامع بين عدم الموضوع وترك ارتكابه، فلدى عدم الموضوع لا يوجد ملاك لحرمة الارتكاب؛ لأنّ المولى مرتو بتحقق الفرد الآخر من فردي الموضوع، فلا يطلب الفرد الآخر.