المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

253


وثانياً: حتّى لو كان الملاك في خصوص ترك الارتكاب، فبما أنّ ترك الارتكاب حاصل قهراً لدى عدم الموضوع، فقد لا يشغل المولى عهدة العبد بالترك إلّا معلّقاً على تحقّق الموضوع. ولكنّني أقصد أنّ النكتة التي جعلت الأوامر ظاهرة في التعليق على تحقّق الموضوع غير موجودة في باب النواهي، ومقتضى الإطلاق عدم التعليق.

نعم، رغم كلّ هذا نلتزم بأنّ الحكم المترتّب على الملاقي لأحد الطرفين غير منجّز بالعلم الأوّل، وهو العلم بنجاسة الملاقى أو الطرف الآخر، وذلك لأنّ حرمة شرب الملاقي مثلاً ليست فعلية قبل تحقق الملاقاة. وما قلناه من أنّ حرمة شرب النجس فعلية قبل تحقق النجس وإن كان صحيحاً، ولكن هذا لا يمنع عن عدم فعليّة حرمة شرب الملاقي. وتوضيح ذلك: أنـّنا لا نقصد بعدم فعلية حرمة شرب الملاقي الحرمة الثابتة على عنوان شرب ملاقى النجس، وإنـّما نقصد بذلك حرمة شرب عين الملاقي وواقِعِه. ومن الواضح أنّ هذه العين قبل الملاقاة لا تكون حرمتها فعلية، أو قل: لا تكون طرفاً للحرمة، وإنـّما تصبح حرمتها فعلية، أو تصبح طرفاً للحرمة بالملاقاة، أما عنوان ملاقي النجس فليس المفروض أنْ يكون هو مصبّ بحثنا في المقام، لأنّ الحرمة لم تثبت على عنوان ملاقي النجس، وإنـّما ثبتت على عنوان النجس، فالحرام إنـّما هو عنوان شرب النجس، لا عنوان شرب ملاقي النجس، ولو كان ملاقي النجس غير نجس ـ فرضاً ـ لما حرم شربه، وعنوان النجس إنـّما يفنى في مصداقه، وهو واقع الملاقي وعينه، لا في عنوان آخر وهو عنوان الملاقى؛ إذ لا فناء للمفاهيم بعضها في بعض، وإنـّما الفناء ثابت للمفهوم في المصداق، بمعنى أنّ المفهوم والعنوان حينما ينظر إليه بنظر الحمل الأوّلي يرى أنـّه هو المصداق الواقع. ومن الواضح: أنّ حرمة مصداق الملاقي وواقعه إنـّما تكون فعليّة بعد حصول الملاقاة، أو قل: إنّ مصداق الملاقي وواقعه لا يكون طرفاً للحرمة قبل الملاقاة.

ومن هنا يتبيّن أنّ الأحكام الوضعيّة لملاقي أحد الطرفين أيضاً ليست فعلية قبل تحقق الملاقاة، وأنّها لا تتنجّز بالعلم الأوّل، فصحيح أنّ اشتراط الصلاة بطهارة الثوب أو بعدم نجاسته فعليّة قبل الملاقاة، ولكن كلامنا ليس في إجراء البراءة عن حرمة الصلاة في الثوب النجس، إذ لا شكّ في هذه الحرمة، ولا في إجراء البراءة عن حرمة الصلاة في عنوان ملاقي هذا الطرف، إذ لا حرمة بهذا العنوان، وليس عنوان النجس فانياً في عنوان ملاقي النجس، وإنـّما كلامنا في إجراء البراءة عن حرمة الصلاة في واقع ملاقي الطرف الذي لو كان نجساً، كان عنوان النجس فانياً فيه، ومن الواضح أنّ حرمة الصلاة فيه، أو قل: مانعيّته عن صحّة الصلاة معلّقة على تحقق الملاقاة، فليس الحكم الوضعي فعلياً بلحاظ قبل الملاقاة، أو قل: ليس هو طرفاً للحكم الوضعي قبل الملاقاة.

نعم، لو حصلت الملاقاة قبل خروج الطرف الآخر عن محلّ الابتلاء تنجّز حكم الملاقي