المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

254

فهي أمر منتزع من تضيّق دائرة الواجب بعدم كونه في اللباس النجس، أو بكون الوضوء بالماء الطاهر، أو عدم كونه بالماء النجس، ومن المعلوم أنّ وجوب الصلاة في اللباس الطاهر مثلاً، أو وجوبها بالتوضّوء الذي لا يحصل إلّا بالماء الطاهر، فعليّ سواء وجد الثوب النجس أو لا، فوجود الماء النجس ليس شرطاً للحرمة، كما كان كذلك في الحرمة التكليفيّة، وإنـّما هو شرط للحرام، وإذا كان الأمر كذلك، فالعلم الإجمالي بنجاسة أحد شيئين علم بموضوع حرمة الصلاة في ملاقيه الفعلية، أو حرمة الوضوء بملاقيه الفعلية، فهو علم بتكليف فعليّ، فإذا علم إجمالاً بنجاسة أحد الماءين فهذا العلم الإجمالي كما ينجّز حرمة شرب كلّ واحد منهما، وحرمة الوضوء بكلّ واحد منهما، كذلك ينجّز حرمة الوضوء بملاقي أحدهما، أو الصلاة فيه قبل حصول الملاقاة. والعلم الإجمالي بنجاسة أحد الدرهمين ينجّز حرمة الوضوء بملاقي أحدهما، أو الصلاة فيه قبل حصول الملاقاة، وكذلك العلم الإجمالي بنقصان أحد الماءين عن الكرّ علمٌ بحرمة الوضوء بالفعل بما نقص عن الكرّ إذا لاقى النجاسة، فتنجّز تلك الحرمة قبل حصول الملاقاة، وهذا التنجّز للحرمة الوضعيّة يمنع عن إجراء البراءة العقليّة، أو قل: هذا العلم الإجمالي يرفع موضوع قاعدة (قبح العقاب بلا بيان)، لو آمـنّا بتلك القاعدة، وكانت الحرمة الوضعيّة من باب مانعيّة النجاسة حتّى تكون انحلاليّة، ومجرىً للبراءة في نفسها، لا من باب شرطيّة الطهارة.

ثمّ لو قلنا: إنّ العلم الإجمالي علّة تامّة للتنجيز فقد تمّ التنجيز بمجرّد العلم بنجاسة أحد الشيئين لحرمة الوضوء بملاقي أحدهما أو الصلاة فيه، وأمـّا إنْ قلنا بالاقتضاء فبعد ما اتّضح لك من وجود المقتضي، يجب التفتيش عن وجود المانع، وهو الأصل الشرعي وعدمه، وعندئذ نقول: إنّ الاُصول الشرعية في المقام على قسمين: ـ

أحدهما: ما يكون مجراه هو الملاقى، فيؤمّن عن الملاقي أيضاً، وهو أصالة طهارة الملاقى، وهذا الأصل ساقط بمعارضته لأصالة الطهارة في الطرف الآخر، ولو


بالعلم الإجمالي الثاني، وهو العلم بنجاسة الملاقي، أو طرف الملاقى، ولو حصلت الملاقاة بعد خروج الطرف الآخر عن محلّ الابتلاء، ولكنّنا كنّا نعلم قبل خروجه عن محلّ الابتلاء بأنـّه ستحصل هذه الملاقاة للطرف الأوّل تنجّز حكم الملاقي أيضاً بالعلم الثاني، رغم عدم فعليّة الحكم في الزمان الأوّل، وذلك على أساس الايمان بمنجّزية العلم الإجمالي في التدريجيات.