المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

256

أصالة الطهارة في الملاقي من دون معارض.

نعم؛ لو لاقى أحدَ الإناءين قبل خروج الإناء الآخر عن محلّ الابتلاء تشكّل العلم الإجمالي الثاني، ولم تجر أصالة الطهارة في هذا الملاقي، ولا أقول ذلك لأجل معارضتها لأصالة الطهارة في طرف الملاقى، فإنّ هذا ما سنبحثه في المقام الثاني، ومفروضنا الآن غضّ النظر عنه، بل لأجل أنـّه لا أقلّ من معارضته لأصالة الطهارة في ملاقي الآخر، لنفي حرمته الوضعيّة الفعلية قبل الملاقاة.

ولو علمنا إجمالاً بنجاسة أحد شيئين، وكان أحدهما على تقدير نجاسته لا ينجّس ما يلاقيه؛ لكونه متنجّساً بالواسطة، وغير مائع، وكان الثاني على تقدير نجاسته ينجّس ما يلاقيه. فإن فرض أنّ الأوّل ليس مأكولاً، ولا مشروباً، ولا ملبوساً في الصلاة، فلا معارض لأصالة الطهارة في الثاني، وإنْ فرض أنّ الأوّل كان مأكولاً، أو مشروباً، أو ملبوساً في الصلاة، فأصالة الطهارة في الثاني ساقطة بالمعارضة؛ لأصالة الطهارة في الأوّل، فإنّ أصالة الطهارة في الأوّل تثبت عدم حرمته، وفي الثاني تثبت عدم حرمته أو عدم حرمة ما يلاقيه وضعاً، لكن يبقى الكلام في أصالة الطهارة في ملاقي الثاني.

وأمـّا ملاقي الأوّل فالمفروض عدم نجاسته بالملاقاة. وهنا لا يأتي ما ذكرناه من أنّ أصالة طهارة ملاقي أحد الطرفين تعارض أصالة طهارة ملاقي الآخر ولو قبل الملاقاة؛ لأنّ المفروض أنّ ملاقي الآخر لا ينفعل بالملاقاة، فهذا الأصل لا معارض له إلّا أصالة الطهارة في نفس الطرف الآخر، فهذا يبتني على ما سيأتي في المقام الثاني، من أنّ الأصل في الملاقي هل يقع طرفاً للمعارضة للأصل في طرف الملاقى أو لا؟

وإلى هنا قد عرفنا أنّ أصالة الطهارة ـ بلحاظ الأحكام الوضعيّة في الملاقي قبل فعلية الملاقاة ـ تصلح للمعارضة لأصالة الطهارة فيما لاقى الآخر بالفعل، وكذلك الأصلان في الملاقيين للطرفين يتعارضان قبل فعلية الملاقاة.

وهنا يأتي إشكال: وهو أنّ فعليّة جريان أصالة الطهارة مشروطة بوجود شيء بالفعل شكّ في نجساته، فكيف يمكن فعليّة جريان الأصل في الملاقي قبل فعليّة


للملاقي الفرضي للطرف المنعدم؛ لأنّ تلك الحرمة الوضعيّة وإن كانت فعلية حسب نظر اُستاذنا الشهيد (رحمه الله)؛ لأنـّها تعود إلى تحديد دائرة واجب فعلي، لكنّها خارجة عن محلّ الابتلاء، فلا يجري الأصل بشأنها.