المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

257

الملاقاة، في حين أنـّه لا يوجد شكّ فعلي في نجاسة أمر موجود خارجاً؟ نعم، لو حصلت الملاقاة في أحد الطرفين، وعلمنا أنّها سوف تحصل فى الطرف الآخر، فبالإمكان القول بأنّ الأصل الاستقبالي في الملاقي الاستقبالي يعارض الأصل الحالي في الملاقي الحالي، كما هو الحال في تعارض الأصلين في موارد العلم الإجمالي التدريجي، ولكن إذا افترضنا أنـّنا لا نعلم بأنّ الملاقاة الاستقبالية ستتحقّق، فكيف نوقع المعارضة بين أصل سيصبح فعليّاً لو تحقق موضوعه والأصل الجاري بالفعل؟ أفليس هذا من قبيل ما لو علمنا إجمالاً: بإنـّه أمـّا أنْ تجب علينا الصلاة بالفعل، أو يجب علينا التصدّق لو نزل المطر، ونحن شاكّون في أنـّه هل سينزل المطر أو لا؟ ومن الواضح في هذا المثال أنّ أصالة البراءة عن الصلاة لا تعارض بأصالة البراءة عن التصدّق التي ستجري لو نزل المطر.

والتحقيق: أنّ قياس ما نحن فيه بمثال الصلاة والتصدّق على تقدير نزول المطر قياس مع الفارق؛ إذ في هذا المثال لا يوجد لدينا علم بتكليف فعليّ؛ لأنـّه من المحتمل أنْ لا ينزل المطر، وأن يكون الصحيح من طرفي العلم الإجمالي هو وجوب التصدّق على تقدير نزول المطر، لا وجوب الصلاة فعلاً، وعلى هذا الفرض لا تكليف فعلي أصلاً. وأمـّا فيما نحن فيه، فقد وضّحنا أنّ الحرمة الوضعيّة فعليّة قبل الملاقاة، فهو عالم بثبوت التكليف بالفعل قبل الملاقاة، وفعلية جريان أصل الطهارة في الشيء وإنْ كانت مشروطة بحصول الملاقاة، لكنّ فرض جريان أصل الطهارة على تقدير الملاقاة في ظرفه يُثبت الترخيص بالفعل، ونفي الحرمة الوضعيّة المعلومة من الآن، لأنّ الحرمة الوضعيّة الآن للوضوء بالماء ليس موضوعها نجاسة ذلك الماء في هذا الآن، ولو طهر عند الوضوء، وإنـّما موضوعها نجاسته في ظرفه(1)، فإن فرض أنـّه في ظرفه وعلى تقدير الملاقاة يجري أصل الطهارة، فالحرمة الوضعيّة منتفية فعلاً فيقع التعارض بين الأصلين والتساقط رغم عدم فعليّة أحدهما أو كليهما، وعدم الجزم بالفعلية الاستقبالية.

هذا تمام الكلام فيما هو المختار بالنسبة لمنجّزيّة العلم الإجمالي الأوّل


(1) قد عرفت فيما مضى: أنّ الحرمة الوضعيّة بالقياس إلى واقع الملاقي ليست فعلية قبل الملاقاة، وبالقياس إلى عنوان الملاقي لا توجد لنا حرمة وضعيّة، وبالقياس إلى عنوان الماء النجس لا شكّ لنا في حرمته، ولا بحث لنا عنه، ولا يفنى هذا العنوان في عنوان الملاقي.