المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

263

الثاني: أنْ يتصوّر أنّ المعارضة بين الاُصول تكون بلحاظ زمان الفعلية، فالأصلان الأوّلان حينما أصبحا فعليّين تعارضا وتساقطا، والأصل الثالث أصبح فعليّاً في وقت لا يوجد أصل فعلي آخر يعارضه، والمخصّص لدليل الأصل في هذا الزمان المتأخّر لم يدلّ على أزيد من أنـّه لا يتمّ جريان الأصل الثالث مع الأصل في طرف الملاقى معاً، وهذا المخصّص لا أثر له في المقام بعد أن علمنا أنّ الأصل في طرف الملاقى غير جار من قبل .

وهذا ما نوضّح بطلانه بذكر أمرين:

الأمر الأوّل: أنّ الخطابات الشرعية المجعولة على نهج القضايا الحقيقيّة على الموضوعات المقدّرة الوجود إنـّما تتكفّل مرتبة الجعل، وأمـّا فعليّة الحكم ـ سواء آمـنّا بها بالمعنى المشهور، أو قصدنا بها طرفيّة الشيء للحكم ـ فهي تبع لفعليّة الموضوع، وحيث إنّ تلك الخطابات إنـّما تتكفّل مرحلة الجعل، وبقطع النظر عن فعليّة الموضوع خارجاً فهي تنظر إلى تلك الموضوعات في عرض واحد، وإنْ فُرض تدرّجها زماناً بحسب الوجود الخارجي.

الأمر الثاني: أنّ التعارض الواقع في مفاد دليل بلحاظ فردين منه إنـّما هو تعارض في نفس عالم الجعل ومنذ البدء، وليس يحدث بعد فعليّة فردين من موضوع بعد أنْ لم يكن هناك تعارض، فإنّ هذا غير معقول، لأنّ التعارض يكون في الدلالة، والدلالة إنـّما تتكفل ـ كما مضى في الأمر الأوّل ـ مرحلة الجعل والحكم على تقدير الموضوع لا مرحلة الفعلية.

وبكلمة اُخرى: أنّ المنافاة بين الحكمين إمـّا أنْ يفرض أنّ مصبّها هو الجعلان، إذن فالمعارضة تكون في نفس مرحلة الجعل، وقبل وجود الموضوعين، أو يفرض أنّ مصبّها هو الفعليّتان، وعندئذ تسري ـ لا محالة ـ المعارضة من مرحلة الفعليّة إلى مرحلة الجعل؛ إذ فرض جعل حكم على تقدير موضوع لا يصير فعلياً عند فعليّة موضوعه ممّا لا محصّل له.

وبكلمة ثالثة: أنّ دليل الأصل يدلّ على تمام الأفراد في عرض واحد، والدليل المخصّص الدالّ على عدم جريان الأصل في مجموع أطراف العلم الإجمالي ـ أيضاً ـ يقتطف كلّما يقتطف في عرض واحد.

إذا عرفت هذين الأمرين قلنا: إنّ فكرة تعارض الأصلين السابقين وتساقطهما، وبقاء الأصل المتأخّر بلا معارض ـ بعد فرض الاعتراف بأنّها ليست من قبيل كلامين