المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

268

أوجب تعدّد الظرف وارتفاع المنافاة، وهذا بخلاف الاُمور الخارجيّة الزمانيّة كالسواد والبياض اللذين هما متضادّان لا يجتمعان في زمان واحد ولو فرض أحدهما معلولاً للآخر ومتأخّراً عنه رتبة، والدخول في الملك والخروج عنه من هذا القبيل، فإنـّهما حكمان شرعيّان زمانيّان.

وأمـّا فيما نحن فيه فلا معنى لتطبيق قانون أنّ الأحكام الشرعيّة زمانيّة لا رتبيّة، فإنّ الكلام في قانون كلّي عامّ ثابت حتّى في الاُمور التكوينيّة الخارجيّة، وهو أنّ الشيء المتأخّر رتبة يستحيل عقلاً أنْ يزاحم الشيء السابق عليه، ولا معنى لوقوع التعارض والتزاحم بين شيئين أحدهما متفرّع على عدم الآخر، سواءً كانا عقليين أو شرعيين، اعتباريين أو خارجيين، زمانيين أو غير زمانيين، وهذا كما ترى لا علاقة له بفهم أنّ الأحكام الشرعيّة هل يكون ظرفها الزمان أو الرتبة، وليس من قبيل قانون استحالة اجتماع الضدّين، الذي لا بدّ في معرفة انطباقه على أمرين مختلفين رتبة أنْ نرى أنـّه هل يكون ظرفهما الزمان والخارج فيلزم اجتماع الضدّين، أو ظرفهما الرتبة، وقد فرض تعدّدها فلا يلزم اجتماع الضدين.

وعلى أيـّة حال، فقد عرفت عدم تماميّة الأمر الثاني.

وأمـّا الأمر الثالث: وهو كون أصالة الطهارة في الملاقي في طول أصالة الطهارة في الملاقى، فهو وإنْ كان صحيحاً عندهم إلّا أنـّه غير صحيح عندنا، وذلك لوجهين:ـ

أحدهما: ما يقتضي ـ بشكل عام ـ عدم الطوليّة بين كلّ أصلين متوافقين، ولو من قبيل الاستصحاب السببي والاستصحاب المسبّبي، وهذا ما يأتي تحقيقه ـ إن شاء الله ـ في آخر مبحث الاستصحاب في بيان علاقات الأمارات والاُصول بعضها مع بعض.

وثانيهما: إنـّه حتّى لو قلنا بحكومة الاستصحاب السببي على الاستصحاب المسبّبي المتوافقين، لا نقول بحكومة أصالة الطهارة السببيّة على أصالة الطهارة المسبّبيّة؛ وذلك لأنّ الحكومة تكون بأحد ملاكين: إمـّا بملاك رفع الموضوع مثلاً تعبّداً، وإمـّا بملاك النظر، أمـّا الأوّل فلئن سلّم في الاستصحاب ـ باعتبار أنّ الشارع جعل في مورده اليقين تعبداً ورفع بذلك الشكّ، فيرتفع بذلك تعبداً موضوع الاستصحاب المسبّبي ـ لا نسلّمه هنا، إذ لا يتوهّم في أصالة الطهاة أنّ المجعول هو العلم وعدم الشكّ، وأمـّا الثاني فإنـّما يمكن دعوى إثبات الحكومة به لدليل أصالة الطهارة على أدلّة الأحكام الأوّليّة، كدليل وجوب الصلاة في الثوب الطاهر، أو حرمة