المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

271

وهذان المسلكان يختلفان أوّلاً: في أنّ الثاني يختصّ بمبنى الاقتضاء؛ إذ على مبنى العلّية لا أثر لوجود المعارض وعدمه، بخلاف الأوّل فهو يناسب مبنى العلّية أيضاً، ولهذا تبنّاه المحقق العراقي (رحمه الله)القائل بالعلّية.

وثانياً: في أنـّه على الأوّل تجري البراءة العقليّة أيضاً؛ لأنّ العلم الإجمالي قد سقط أثره العقلي من العلّية أو الاقتضاء، وأمـّا على الثاني فلا تجري البراءة العقليّة؛ لأنّ اقتضاء العلم الإجمالي ثابت على حاله، وإنـّما لا تجب الموافقة القطعيّة للأصل الشرعي الخالي عن المعارض. وقد عرفت فيما سبق أنّ المختار هو المسلك الثاني دون الأوّل.

إذا عرفت ذلك، قلنا: إنّ المقصود هنا تطبيق المسلك الأوّل للانحلال على ما نحن فيه، وهنا قد يبدو تهافت في كلمات المحقق العراقي (رحمه الله)؛ إذ هو يقول في الانحلال الحكمي بتنجّز بعض الأطراف، بأنـّه إنـّما ينحلّ بذلك لو لم يكن ذاك المنجّز علماً إجماليّاً آخر، نسبته إلى هذا العلم من حيث الأطراف عموم من وجه، فإنْ كان كذلك، فهو لا يقول بانحلال أحد العلمين بالآخر ـ ولو فرض أحدهما مقدّماً زماناً ـ، في حين أنـّه يقول في فرض التقدّم الرتبي بانحلال العلم المتأخّر رتبة، فيقال: أي فرق بين التقدّم الرتبي والتقدم الزماني، حيث صار الأوّل موجباً لانحلال المتأخّر دون الثاني، وهو (قدس سره) لم يذكر في صريح كلامه وجهاً للفرق بينهما، إلّا أنـّه يمكن استخلاص فرق بينهما بالتدقيق في عبائره، وهو أنّ التقدّم الزماني لا يفيد شيئاً؛ لأنّ تنجّز العلم بقاءً فرع الوجود البقائي للعلم المعاصر لحدوث العلم الثاني، فانحلال الثاني بالأوّل ليس بأولى من العكس، وهما يؤثّران في عرض واحد(1)، وهذا بخلاف العلم المتقدّم رتبة، فإنـّه يؤثّر في رتبته، ولا يمتدّ إلى رتبة العلم الثاني فيؤثّر، وعندئذ كيف يؤثر العلم الثاني؟ هل يؤثّر في الرتبة السابقة على نفسه أو يؤثّر في رتبته؟ والأوّل غير معقول؛ إذ لا يعقل تأثير شيء في الرتبة السابقة على نفس المؤثّر، والثاني أيضاً غير معقول؛ لأنّ أحد طرفي العلم الإجمالي قد أصبح منجّزاً في الرتبة السابقة فلا يقبل في هذه المرتبة تنجيزاً، والمعلوم بالإجمال إنْ لم يكن قابلاً للتنجيز على كلّ تقدير، لم يؤثّر فيه العلم.

ولكن الواقع أنّ كلامه (رحمه الله) لا يتمّ حتى بعد هذا التوجيه، وذلك:

إمـّا أوّلاً؛ فلأنّ العلم الإجمالي الثاني وإنْ كان في طول العلم الإجمالي الأوّل


(1) راجع نهاية الأفكار: القسم الثاني من الجزء الثالث، ص 337.