المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

285


الملاقي ـ وتساقطا، وبقي أصل الطهارة في الملاقي، وكذلك في الملاقى بعد رجوعه إلى محلّ الابتلاء بلحاظ باقي الآثار بلا معارض، أمـّا الأوّل؛ فلأنّ معارضه سقط في رتبة سابقة، وأمـّا الثاني؛ فلأنّ معارضه سقط في زمان سابق، ومن هنا يتّضح أنـّنا لو آمنّا بكلا المبنيين ـ أعني كفاية التقدّم الرتبي وكفاية التقدّم الزماني ـ فهما لا يتعاكسان في التأثير، باعتبار أنّ أصل طهارة الملاقي سابق زماناً، وأصل طهارة الملاقى سابق رتبة، فأيّ العلمين هو الذي يحلّ الآخر؟ فالصحيح: أنّ كلا التقدّمين يؤثّر أثره، ولا تضارب بين الأثرين، فيسقط أصل طرف الملاقى مع أصل الملاقى بلحاظ أثره في الملاقي، ويجري الأصل في الملاقي وفي الملاقى بلحاظ باقي الآثار؛ وذلك لأنّ أصل الطهارة في الملاقى قد انحل إلى أصل بلحاظ أثر طهارة الملاقي، وإلى أصل بلحاظ باقي الآثار، والأوّل يتقدّم بالتقدّم الرتبي، ولا يعاكسه تقدّم زماني، فهو الذي يتعيّن للسقوط بالتعارض مع أصل طرف الملاقى، وينجو كلّ من الأصل في الملاقي، والأصل في الملاقى بلحاظ باقي الآثار من التعارض.

نعم، يمكن فرض التعاكس والتضارب بين المبنيين على تقدير الإيمان بهما معاً في فرع آخر، وهو ما لو علمنا أولاً إجمالاً بنجاسة الملاقي أو طرف الملاقى، ثم علمنا بأنّ النجس المعلوم إنْ كان هو الملاقي فنجاسته إنـّما نشأت من ملاقاته للملاقى، فعلمنا إجمالاً بنجاسة الملاقى أو طرفه، فهنا يكون الأصل في الملاقي سابقاً زماناً، والأصل في الملاقى سابقاً رتبة، ولم يكن الأصل السابق رتبة جارياً في الزمان السابق حتى بلحاظ أثر الملاقي؛ لأنـّنا لم نكن نعلم أصلاً أنّ النجاسة المعلومة لو كانت في طرف الملاقي فقد نشأت من الملاقاة، فهنا قد يتصور أنّ المبنيين يتعاكسان، فمقتضى مبنى كون العبرة في التقدّم الزماني هو جريان الأصل في الملاقى؛ لأنّ الأصل في الملاقي مع طرف الملاقى تساقطا في زمان سابق، ومقتضى مبنى كون العبرة بالتقدّم الرتبي هو جريان الأصل في الملاقي؛ لأنّ الأصل في الملاقى مع طرفه تساقطا في رتبة سابقة، فلو آمنّا بكلا المبنيين فكيف التوفيق في المقام؟

والجواب: أنّ التقدّم الزماني هو الذي يؤثّر في المقام دون التقدّم الرتبي، والسرّ في ذلك هو أنّ التقدّم الرتبي إنـّما يوجب حكومة الأصل على الأصل المتأخّر رتبة عنه، المعاصر زماناً له، ولا يوجب حكومته على الأصل في زمان سابق عليه؛ لأنـّه في ذاك الزمان لم يكن موجوداً، ولا معنىً لحكومة أصل لا وجود له على أصل موجود، فذاك الأصل لو حكم على الأصل الآخر، وتقدّم عليه، فانما يحكم عليه ويتقدّم عليه، من حين وجوده، ولذا نرى أنّ من يؤمن بمبنى الانحلال على أساس التقدّم الرتبي فحسب، دون التقدّم الزماني، إنـّما يقول في هذا الفرع بجريان الأصل في الملاقي ونجاته عن المعارض بعد حصول العلم الإجمالي الثاني؛ لأنـّه ـ عندئذ ـ سقط معارضه بأصل حاكم ومقدّم عليه، ولا يشكّ في وجوب الاجتناب عنه قبل ولادة العلم