المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

286

وبناءً على المبنى الثالث - وهو انحلال الأثر العقلي للعلم بمنجّزيّة العلم السابق رتبةـ قد عرفت أنـّه قبل رجوع الملاقى إلى محلّ الابتلاء يجب الاجتناب عن الملاقي بالعلم الإجمالي بنجاسته، أو نجاسة طرف الملاقى، وذلك لعدم وجود علم منجّز سابق رتبة، لكن بعد رجوع الملاقى إلى محلّ الابتلاء يمكن القول بانحلال العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي أو طرف الملاقى، وذلك لمنجّزية العلم الإجمالي بملاقاة الملاقى(1) أو طرفه للنجس، وهذا العلم الإجمالي مقدّم رتبة على العلم الإجمالي بنجاسة الملاقي أو طرف الملاقى، فإنـّه لو ارتفع الآن العلم الإجمالي الأوّل لارتفع الثاني بسبب ارتفاعه.

ولكن يمكن الإيراد على ذلك بأنّ هنا علماً إجماليّاً تدريجيّاً منجِّزاً للملاقي، وهو العلم الإجمالي بنجاسة طرف الملاقى في القطعة الاُولى من الزمان، وهي قطعة


الإجمالي الثاني؛ لتعارض أصله مع أصل طرف الملاقى وتساقطهما.

وعليه، فالنتيجة هي: أنـّنا لو آمنّا بكلا المبنيين، فقبل ولادة العلم الإجمالي الثاني لا شكّ في أنّ الأصل في الملاقي مع الأصل في طرف الملاقى تعارضا وتساقطا، وبعد ولادة العلم الإجمالي الثاني يخلق أصل الطهارة في الملاقى، وهو لا يحكم على أصل الطهارة في الملاقي، كي يحلّ محلّه في التعارض مع أصل الطهارة في الملاقى؛ لأنّ حكومته عليه فرع وجود المحكوم في ذاته، وبقطع النظر عن الحكومة، في حين أنّ المحكوم غير موجود؛ لأنّ الإيمان بالمبنى الأوّل ـ وهو كفاية التقدّم الزماني للانحلال ـ يساوق الإيمان بأنّ الأصل الذي مات في زمان سابق لا يحيى مرّة اُخرى.

(1)الوجه في تبديل التعبير بالعلم الإجمالي بنجاسة الملاقى أو طرفه، إلى التعبير بالعلم الإجمالي بملاقاة الملاقى أو طرفه للنجس، هو أنـّه لو ذكر الأوّل لورد عليه: أنّ المنجِّز إنـّما هو العلم ببقاء نجاسة الملاقى أو طرفه، لا بحدوثها، والعلم الإجمالي بنجاسة الملاقي أو طرف الملاقى إنـّما هو متأخّر رتبة عن العلم الإجمالي بحدوث النجاسة في الملاقى أو طرفه، لا ببقائها فيه.

نعم، الصحيح هو: أنّ العلم الإجمالي بملاقاة الملاقى أو طرفه للنجس أيضاً ليس هو المنجِّز؛ لأنـّه علم بموضوع التكليف لا علم بالتكليف، والمنجِّز إنـّما هو العلم بالتكليف، لكن المفروض الغفلة عن هذا الإشكال، وعدم الالتفات إلى أنّ العلم بموضوع التكليف ليس هو المنجِّز، وإلّا لبطل أصل مبنى انحلال العلم بنجاسة الملاقي، أو طرف الملاقى بالتنجّز الحاصل بالعلم السابق رتبة، وهو العلم بنجاسة الملاقى أو طرفه؛ لأنّ العلم بنجاسة الملاقى أو طرفه أيضاً علم بموضوع التكليف لا بالتكليف.