المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

288

الأوّل؛ فلأنّ المفروض أنّ نجاسة الملاقي عين نجاسة الملاقى سرت إلى الملاقي، فالعلم الأوّل كان علماً بما هو تمام الموضوع للحكم، وأمـّا الثاني؛ فلأنـّه ليست في المقام سببيّة ومسببيّة بين نجاسة الملاقى ونجاسة الملاقي، حتى تفرض رتبتان للاُصول، ويفترض تساقط أصل الملاقى مع أصل طرفه في الرتبة السابقة، ووصول النوبة إلى أصل الملاقي.

هذا هو التفصيل الذي يقال في المقام.

والمقصود في هذا الأمر هو أنْ نتكلّم ـ بعد فرض تسليم هذا التفصيل ـ عن حكم فرض الشكّ والتردّد بين السراية والسببيّة، وإنـّما نذكر ذلك لأجل اهتمام المحقّق النائينيّ (رحمه الله) بالبحث عن ذلك(1) فنقول: إذا تردّد الأمر بين السراية والسببيّة بناءً على عدم وجوب الاجتناب عن الملاقي على السببيّة، ووجوبه على السراية، فالعلم الإجمالي الأوّل لا ينجّز في المقام؛ وذلك لأنـّه إذا قلنا بالسراية ـ ولو بالمعنى المعقول ـ وهو وجوب الاجتناب عن النجس بمعنىً بسيط يحصله ترك استعمال النجس، وما يلاقيه، ثبتت هنا مؤونة زائدة غير ثابتة على القول بالسببيّة، وتلك المؤونة الزائدة عبارة عن لزوم ترك ملاقي محتمل النجاسة عند العلم الإجمالي بالنجاسة تحصيلاً للقطع بتحقّق الاجتناب عن النجس، وهذا بخلاف فرض السببية، وإذا كانت السراية مستبطنة لمؤونة زائدة جرت الاُصول المؤمِّنة العقليّة والشرعيّة.

وأمـّا العلم الإجمالي الثاني فإذا تردّدنا بين السراية والسببيّة فقد شككنا في ابتلاء الأصل في الملاقي بالمعارض المتّصل، وهو الأصل في الملاقى وعدمه، وهذا الشكّ منشأه الشكّ في حكومة أصل الملاقى على أصل الملاقي ـ كما هو المفروض بناءً على السببيّة ـ وعدم حكومته عليه ـ كما هو المفروض بناءً على السراية ـ، إذن فهذا يبتني على ما يُختار في باب الحكومة: من أنـّه هل يحتمل ثبوت الحكومة في الواقع عند عدم وصولها، أو أنـّه لا بدّ من وصول الحاكم(2)؟ فإنْ قلنا بالثاني فهنا نقطع بعدم الحكومة، لعدم الوصول فيثبت التعارض بين أصل الملاقي والأصل في طرف الملاقى، وإنْ قلنا بالأوّل فالشكّ في الحكومة ثابت على حاله، وهو يولّد الشكّ في المعارض المتّصل، وعندئذ يبتنى الكلام هنا على ما يختار في


(1) راجع فوائد الاُصول: ج 4، ص 28 ـ 29، وأجود التقريرات: ج 2، ص 261 ـ 262.

(2) هذا يناسب بحثه في مبحث التعادل والتراجيح.