المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

308

حتى يقال بالانحلال الحكمي، إمّا من باب عدم جريان الأصل فيه، وبقاء الأصل في الطرف الآخر سليماً عن المعارض، أو من باب أنّ المنجّز لا يتنجّز مرةً اُخرى، فيسقط العلم الإجمالي عن التأثير، على ما يقوله المحقّق العراقي، لكن هنا لم يتعلّق منجّز بالأقلّ؛ لأنّ الوجوب الغيري لا يقبل التنجيز، فلا مجال هنا لدعوى الانحلال الحكمي بكلا مبنييه.

هذا هو الذي ينبغي أن يقال في إبطال هذا الانحلال، لا ما أفاده المحقّق العراقي في المقام(1)، فقد قال المحقّق العراقي (رحمه الله) هنا بعد ذكر دعوى انحلال العلم الإجمالي بوجوب الأقلّ أو الأكثر بالعلم التفصيلي بوجوب الأقلّ نفسيّاً أو غيريّاً: إنّ هذا الانحلال غير صحيح؛ لأنّ هذا العلم التفصيلي معلول للعلم الإجمالي، فلا ينحلّ العمل الإجمالي به؛ لأنّه أسبق رتبةً منه.

فإن كان مراده بهذا الكلام إبطال الانحلال الحقيقي بدعوى أنّ تأخّر العلم التفصيلي رتبةً يمنع عن انحلال العلم الإجمالي به، ففيه ما عرفت من أنّ هذا العلم التفصيلي بنفسه لا يقتضي انحلال العلم الإجمالي؛ لأنّه لم يتعلّق بأحد طرفيه.

وإن كان مراده بذلك إبطال الانحلال الحكمي، فإن قصد به: أنّ الحكم التفصيلي معلول للعلم الإجمالي، فيستحيل أنْ يحلّه؛ لأنّ المعلول لا يحلّ علّته، ولا يفنيه وإلّا لأفنى نفسه، ورد عليه: أنّ العلم التفصيلي معلول لذات العلم الإجمالي، وليس المفروض انحلال ذات العلم الإجمالي، وإنّما المفروض انحلال أثره؛ لأنّ الكلام في الانحلال الحكمي لا الحقيقي.

وإن قصد به: أنّ العلم الإجمالي أسبق رتبةً من العلم التفصيلي، فقد أثّر أثره في المرتبة السابقة، فالأقلّ قد تلقّى التنجيز في المرتبة السابقة من العلم الإجمالي، فيستحيل أن يتنجّز بالعلم التفصيلي، حتى ينحلّ بذلك العلم الإجمالي؛ لقاعدة: أنّ المنجّز لا يتنجّز، ـ وهذا الوجه هو الوجه المذكور في نهاية الأفكار ـ ورد عليه: أنّ العلم التفصيلي وإن كان متأخّراً رتبةً عن العلم الإجمالي، لكنّه ليس متأخّراً رتبةً عن أثره، وهو التنجيز، بل هما معلولان لعلّة واحدة، وهي: العلم الإجمالي، فلا يصبح أثر العلم التفصيلي متأخّراً عن أثر العلم الإجمالي؛ لعدم صحّة قانون: أنّ ما مع المتقدّم


(1) راجع المقالات: ج2، ص 98، ونهاية الأفكار: القسم الثاني من الجزء الثالث، ص 384 ـ 385.