المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

338

الالتزام بمشكلة الغرض بلحاظ البراءة العقليّة لا معنى لحلّ الإشكال عن طريق البراءة الشرعيّة؛ لأنّ البراءة الشرعيّة إنّما تكون ناظرة إلى التكاليف لا إلى الأغراض.

وقد أوردت على السيّد الاُستاذ: أنّكم ماذا تصنعون إذن في موارد الشبهات البدويّة، فإنّ البراءة الشرعيّة حسب كلامكم إنّما أمّنت عن التكليف، ويبقى احتمال الغرض الذي يكمن وراء التكليف، فإن قلتم: إنـّنا نتخلّص عنه بالبراءة العقليّة، فهذا يعني أنّ البراءة الشرعيّة يجب أن تنضمّ دائماً إلى البراءة العقليّة، وتلزم من ذلك لغويّة البراءة الشرعيّة.

فأجاب السيّد الاُستاذ عن ذلك بأنّنا لو اقتصرنا على المدلول المطابقي لدليل البراءة لزم عدم تأمينه عن احتمال الغرض في الشبهات البدويّة، ولكن بما أنّ هذا يوجب لغويّة البراءة الشرعيّة نتمسّك بدلالة الاقتضاء، وتثبت بالدلالة الالتزاميّة من باب صون كلام الحكيم عن اللغوية التأمين عن الغرض، وبما أنّ دلالة الاقتضاء لا إطلاق لها فلا بُدّ من الاقتصار في ذلك على القدر المتيقّن، وهو الشبهات البدويّة البحتة دون موارد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر.

وأوردتُ عليه ـ عندئذ ـ النقض بأنّه لئن كانت الاُصول الشرعيّة في حدّ ذاتها لا تجري إلّا بالنسبة لذات التكليف دون الأغراض، وأنّ التعدّي إلى الأغراض إنّما يكون بدلالة الاقتضاء التي لا إطلاق لها لزم من ذلك عدم جواز التمسّك بأصالة الطهارة في مقام تصحيح الوضوء بماء مشكوك الطهارة؛ لأنّ التكليف بالتطهّر بالماء الطاهر معلوم، والشكّ إنّما يكون في الامثتال، فهنا لا تؤمّن أصالة الطهارة عن الغرض؛ لأنّ تأمينها عن الغرض إنّما هو بدلالة الاقتضاء التي لا إطلاق لها، فيجب الاقتصار فيها على موارد الشبهات البدويّة، والشكّ في أصل التكليف، كما في جواز الشرب؛ لأنّ ذلك هو القدر المتيقّن. وهنا توقّف السيّد الاُستاذ عن الجواب.

وأقول: يلزمه ـ أيضاً ـ أن لا تجري أصالة الطهارة حتّى بلحاظ جواز الشرب لو علم إجمالاً بنجاسة أحد الماءين، وكان أحدهما غير مجرىً لأصالة الطهارة بنكتة خاصّة.

أمـّا حقيقة الحال في المقام: فهي أنّ التكاليف تنجيزاً وتعذيراً إنّما تلحظ بمعناها الحرفي، وبما هي حافظة لما وراءها من غرض، أو توقّف؛ لحصول الغرض على الجزء، وبقطع النظر عن ذلك لا تكون سوى اعتبارات جوفاء لا معنى للتنجيز والتعذير عنها، فالبراءة الشرعيّة الجارية عن التكليف المشكوك بنفسها تؤمّن بالدلالة