المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

339

العرفيّة الواضحة الابتدائيّة عمّا وراء التكليف ممّا يحفظه من غرض أو توقّف لحصول الغرض على الجزء، بلا حاجة إلى دلالة الاقتضاء، وصون كلام الحكيم عن اللغويّة.

وبهذا يظهر أصل إمكان التفكيك بين البراءتين، فلو فرضنا عدم جريان البراءة العقليّة في المقام عن الغرض لتماميّة البيان حسب الفرض؛ لأنّه غرض وحداني وأصل، لا يلزم من ذلك عدم جريان البراءة الشرعيّة؛ لأنّ البراءة الشرعيّة إنّما نجريها بلحاظ التكليف، والبيان لم يتمّ بالنسبة للتكليف الزائد، فتجري بلحاظه وتؤمّن ـ عندئذ ـ عمّا وراءه من توقّف حصول الغرض على هذا الزائد.

والوجه الثاني: مسألة العلم الإجمالي بوجوب الأقلّ أو الأكثر، وعندئذ يقال أيضاً: ما الفرق بين البراءة العقليّة والبراءة الشرعيّة، حيث جعل المحقّق الخراساني ذلك مانعاً عن جريان البراءة العقليّة، ولم يجعله مانعاً عن جريان البراءة الشرعيّة؟!

وقد فرّع السيّد الاُستاذ والمحقّق النائينيّ إمكان التفصيل بين البراءتين وعدمه في المقام على أنّ البراءة الشرعيّة عن القيد هل تثبت الإطلاق فهي كما تنفي أحد طرفي العلم الإجمالي تثبت الطرف الآخر ؟ أو لا؟ فإن اخترنا الثاني لم تجرِ البراءة الشرعيّة بعد فرض عدم انحلال العلم الإجمالي في نفسه في المقام، فإنّه يمنع جريانها إمّا بعلّيّة العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية، أو بتعارض البراءتين في طرفي العلم الإجمالي وتساقطهما، بناءً على الاقتضاء دون العلّيّة، وإن اخترنا الأوّل جرت البراءة، إمـّا لعدم المعارض لها بناءً على الاقتضاء؛ لأنّ المفروض أنّ البراءة عن أحد طرفي العلم الإجمالي اثبتت بنفسها الطرف الآخر(1)، أو لأنّ العلم الإجمالي ـ ولو قلنا فيه بالعلّيّة ـ ينحلّ أثره بقيام منجِّز في أحد طرفيه، والمفروض أنّ البراءة عن أحد الطرفين نجّزت الطرف الآخر.

أمـّا ما هو الصحيح من هذين الفرضين، أي: هل يثبت الإطلاق بجريان البراءة


(1) نقل لي السيّد الهاشمي (حفظه اللّه) عن اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) أيام حضورنا لديه (رحمه الله)في هذه المباحث: أنّ الوجه في عدم وجود براءة اُخرى في الطرف الآخر هو ما بنوا عليه ـ وإن كان ذلك غير صحيح عندنا ـ من أنـّه إذا كان أحد الأصلين نافياً للآخر، دون العكس أوجب ذلك حكومة الأصل النافي، ولذا تجري أصالة الطهارة في الماء، ولا يجري استصحاب النجاسة في الثوب المتنجّس المغسول به.