المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

340

عن القيد أو لا؟ فقد فرّع السيّد الاُستاذ والمحقّق النائيني ذلك على أنّ الإطلاق هل هو عبارة عن عدم القيد؟ أو هو أمر وجودي مضادّ للتقييد؟ فعلى الأوّل يثبت الإطلاق بأصالة عدم القيد، وعلى الثاني لا يمكن إثبات أحدهما بأصالة عدم الآخر.

ومن هنا افترق السيّد الاُستاذ والمحقّق النائيني في النتيجة، فبما أنّ السيّد الاُستاذ يرى أنّ التقابل بين الإطلاق والتقييد تقابل التضاد انتهى هنا إلى نتيجة عدم إمكان التفكيك بين البراءتين عن هذا الطريق، فلو لم تجرِ البراءة العقليّة لم تجرِ البراءة الشرعيّة أيضاً(1)، وبما أنّ المحقّق النائيني يرى أنّ التقابل بينهما تقابل العدم والملكة انتهى هنا إلى نتيجة أنّ البراءة عن القيد تثبت الإطلاق، وبالتالي تكون البراءة الشرعيّة جارية حتّى على تقدير عدم جريان البراءة العقليّة(2).

ولا يخفى أنّ هذا الوجه للتفصيل بين البراءتين ليس هو ما أفاده المحقّق الخراساني في المقام، وسيأتي الحديث عمّا أفاده المحقّق الخراساني فيما بعد.

أمـّا تقييم ما أفاده السيّد الاُستاذ والمحقّق النائيني هنا فهو: أنّ التفصيل بين البراءتين بفرض القول بكون الإطلاق عبارة عن عدم التقييد غير صحيح، ولا فرق في ذلك بين القول بأنّ التقابل بين الإطلاق والتقييد هو تقابل العدم والملكة ـ كما هو مختار المحقّق النائيني ـ أو هو تقابل التضاد ـ كما هو مختار السيّد الاُستاذ ـ أو هو تقابل السلب والإيجاب كما هو مختارنا.

وتوضيح ذلك: أنّ التقييد تارة يكون بلحاظ عالم الجعل والواقع، وهذا هو الذي يفرض تعلّق العلم أو الشكّ به، ويقابله الإطلاق، واُخرى يفرض بلحاظ المرتبة المتأخّرة عن الشكّ، بأن يقال: إذا شككت في القيد فقد جعلنا عليك القيد، وذلك بمعنى إيجاب الاحتياط تجاه احتمال وجود القيد.

وعليه نقول: إنّ الشيء النافي للقيد تارة يفرض عبارة عن أمارة من الأمارات، فيثبت بذلك ـ لا محالة ـ الإطلاق، حتّى مع فرض كونه أمراً وجوديّاً مضادّاً للتقييد؛ لأنّ مثبتات الأمارات حُجّة، واُخرى يفرض عبارة عن أصل ناظر إلى وجود القيد في العالم الأوّل ـ أعني عالم الجعل والواقع ـ وذلك كما في فرض استصحاب عدم التقييد، وعليه يتّجه التفصيل بين ما إذا كان الإطلاق عبارة عن عدم القيد، فيثبت


(1) راجع الدراسات: ج 3، ص 279، والمصباح: ج 2، ص 441.

(2) راجع فوائد الاُصول: ج 4، ص 53، وأجود التقريرات: ج 2، ص 289.