المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

342

طول البراءة عن وجوب الأكثر؛ لأنّ الجزئيّة أمر منتزع عن وجوب الأكثر، فالسرّ في العدول عن إجراء البراءة عن وجوب الأكثر إلى البراءة عن الجزئيّة ابتلاء البراءة عن الأكثر بالمعارض وتساقطهما، ووصول النوبة إلى البراءة عن الجزئيّة غير المبتلاة بالمعارض، وبهذا تتضح النكتة في التفصيل بين جريان وعدم جريان البراءة العقليّة أيضاً؛ وذلك لما عرفت من بقاء البراءة عن الجزئيّة بلا معارض بعد تعارض البراءتين العرضيتين وتساقطهما.

ويرد عليه:

أوّلاً: أنّ هذا إنّما يتمّ على مبنى الاقتضاء دون العلّيّة المتبنّاة للمحقّق الخراساني (رحمه الله)؛ إذ على هذا المبنى لا تجري البراءة، ولو لم تكن مبتلاة بالمعارض.

وثانياً: أنّ الأصل في جانب الجزئيّة ليس في طول الأصل في جانب الأكثر؛ إذ ليس ترتّب الجزئيّة على وجوب الأكثر ترتّباً شرعيّاً، وإنّما تنتزع منه عقلاً، فنفيُه لا يوجب نفي الجزئيّة إلّا بالملازمة العقليّة.

وثالثاً: أنّ إجراء البراءة عن الجزئيّة في نفسه غير معقول؛ لأنّ الجزئيّة لا تقبل التنجيز، وإنّما الذي يتنجّز هو منشأ انتزاعها، فلو فرض محالاً تحقّق الجزئيّة من دون وجوب الأكثر لم يكن المكلّف ملزماً بالإتيان بالأكثر، إذن فالجزئيّة لا تقبل الوضع الظاهري بمعنى إيجاب الاحتياط تجاهها حتّى يرفع رفعاً ظاهريّاً ـ بمعنى نفي إيجاب الاحتياط تجاهها ـ وإنّما الذي يقبل الوضع الظاهري والرفع الظاهري هو منشأ انتزاعها من وجوب الأكثر، وأمـّا الجزئيّة فليس لها وضع ووجود إلّا الوجود الواقعي دون الظاهري، نعم قد تكون للشيء الجزئيّة الواقعيّة للواجب الواقعي تنتزع من الأمر الواقعي بذلك الواجب، واُخرى تكون له جزئيّة واقعيّة للواجب الظاهري تنتزع من الأمر الظاهري بذلك الواجب.

وقد يقول الشارع في مقابل الترخيص الظاهري: رفعت عنك جزئيّة السورة لدى الشكّ في الجزئيّة، لكن هذا الكلام منه يعدّ كناية عن رفع منشأ الانتزاع، ورفع إيجاب ذلك الجزء، وليس ذلك رفعاً ظاهريّاً للجزئيّة بالدقّة.

ورابعاً: ما ذكره المحقّق الاصفهاني(رحمه الله) في المقام(1) من أنّ البراءة عن الجزئيّة مُعارضة مع البراءة عن كلّيّة الأقلّ؛ إذ لو صحّتِ البراءة عن الجزئيّة المنتزعة عن


(1) راجع نهاية الدراية: في شرح الكفاية، ج 2، ص 273.