المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

358

التقدير الآخر، ولا يقاس ذلك بمسألة دوران الأمر بين التعيين والتخيير العقلي، فإنّ الجامع هناك جامع حقيقي، فيكون تحت الوجوب حتّى على تقدير تعلّق الوجوب بإحدى الحصّتين؛ لانطواء تلك الحصّة في ذاتها على ذلك الجامع، وأمـّا العنوان الانتزاعي فلا يسري إليه الوجوب من الوجوب المتعلّق بمنشأ الانتزاع.

نعم، لو اُنكرت الجوامع الحقيقيّة رأساً، وقيل: إنّ مثل كلمة الحيوان وغيرها من الكلّيّات ليست إلّا مجرّد رمز، لا جامعاً حقيقيّاً بين عدّة أشياء، أصبح حال دوران الأمر بين التعيين والتخيير العقلي هو حال دوران الأمر بين التعيين والتخيير الشرعي، فهناك أيضاً يبطل هذا الانحلال.

وعلى أيّة حال، ففرض رجوع الوجوب التخييري إلى وجوب الجامع الانتزاعي لا يساعد على الانحلال الحقيقي.

نعم، هنا شيء: وهو أنّ الأمرين المتباينين اللذين نعلم بدخول أحدهما في العهدة، وهما واقع أحدهما ـ أعني العتق ـ والعنوان الانتزاعي، ـ أعني عنوان أحدهما ـ يكون بينهما في حصول الامتثال عموم مطلق، فالإتيان بواقع أحدهما ـ أعني العتق ـ يساوق الإتيان بعنوان أحدهما، دون العكس.

وهنا ينفتح علينا باب العلوم الإجماليّة التي تكون من هذا القبيل، أي يكون امتثال أحدهما غير منفكّ عن امتثال الآخر، بخلاف العكس، من دون وجود قدر متيقّن في الوجوب موجب لانحلال العلم الإجمالي حقيقة، ويمكن أن تذكر لذلك عدّة أمثلة من قبيل:

1 ـ ما لو دار الأمر بين وجوب شيء ووجوب عنوان ينتزع منه ومن غيره، كالقيام والتعظيم حينما يعلم إجمالاً: إمّا بوجوب ذات القيام الذي ينتزع منه التعظيم، أو وجوب التعظيم المنتزع من القيام ومن غير القيام أيضاً.

2 ـ ما لو دار الأمر بين أحد عنوانين انتزاعيين يكون أحدهما أخصّ من الآخر في مقام الانتزاع، كما لو علم إجمالاً بوجوب إظهار القراءة بالجهر المنتزع، ووجوب إسماعها، بمعنى أنـّه لو كان عنده أحد لسمعه، فإنّ الأوّل لا ينفكّ عن الثاني لكنّ الثاني ينفكّ عن الأوّل؛ إذ يمكن الإسماع مع الإخفات.

3 ـ ما لو دار الأمر بين وجوب المعلول ووجوب أحد أجزاء علّته، فالأوّل لا ينفكّ عن الثاني دون العكس، كما لو علم إجمالاً بوجوب وضع السلّم أو الكون على السطح.