المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

361

المبنى الأوّل هو أنـّه كان يتصوّر الضيق في المبنى الأوّل في نفس الوجوبات، فكانت الوجوبات تفرض بخطاباتها وملاكاتها مشروطة بترك الآخر، وأمـّا على هذا المبنى فالوجوب مطلق وإنّما الضيق يكون في المتعلّق، فيكون الواجب بعض مراتب الوجود، وبما أنـّه في جانب الوجود لا تتصوّر مراتب بل الشيء إمـّا موجود أو معدوم، فصاحب هذا الوجه يُرجع ارتكازاً متعلّق الوجوب إلى سدّ أبواب العدم، فالواجب التعييني هو ما وجب سدّ جميع أبواب عدمه، وأمـّا الواجب التخييري فهو ما وجب سدّ بعض أبواب عدمه، فصلاة الظهر يوم الخميس مثلاً يجب سدّ تمام أبواب عدمها، ولكنّ صلاة الظهر في يوم الجمعة بناءً على التخيير بينها وبين صلاة الجمعة يجب سدّ باب عدمه المقارن لعدم صلاة الجمعة، ولا يجب سدّ باب عدمه المقارن لوجود صلاة الجمعة(1).

وبناءً على هذا المبنى نقول بالانحلال الحقيقي، كما قلنا به على المبنى الأوّل؛ لأنّ روح المبنيين في الحقيقة شيء واحد، ففي المبنى الأوّل قلنا بالانحلال الحقيقي بتقريب: أنّ وجوب العتق في فرض الإتيان بالصوم غير معلوم فينفى بالبراءة ويقتصر على القدر المتيقّن من الوجوب، وهو وجوبه في فرض عدم الإتيان بالصوم، وهنا نقول: إنّ وجوب سدّ باب عدم العتق المقارن لعدم الصوم معلوم، ولكنّ وجوب سدّ باب عدمه المقارن لوجود الصوم غير معلوم فينفى بالبراءة، غاية الأمر أنّ الشكّ هناك كان في وجوب زائد، وهنا يكون في واجب زائد.

إلّا أنّ هذا الانحلال الحقيقي الذي ذكرناه هنا وهناك إنّما هو بقطع النظر عمّا أبداه المحقّق العراقي (رحمه الله)(2) من علم إجمالي في المقام مشترك الورود بين المبنيين، وتقريبه بلغة المبنى الأوّل هو أن يقال: إنّه إذا دار الأمر بين وجوب العتق تعييناً، أو التخيير بينه وبين الصوم فقد علمنا بأنّه إمّا أنّ العتق واجب حتّى على تقدير الصوم، أو أنـّه لا يجوز ضمّ ترك الصوم إلى ترك العتق، فإنّ العتق لو كان واجباً تعيينيّاً فهو واجب حتّى على تقدير الصوم، لكن لا يحرم ضمّ ترك الصوم إلى ترك العتق، وإنّما


(1) راجع نهاية الأفكار: ج 1، ص 391 - 392 بحسب طبعة مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم، وراجع ـ أيضاً ـ نهاية الأفكار، القسم الثاني من الجزء الثالث، ص288.

(2) راجع نهاية الأفكار: القسم الثاني من الجزء الثالث، ص 289.