المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

389

وأمـّا التقريب الثاني: فهو عبارة عن التمسّك بحديث (رفع النسيان) المقتضي لصحّة الصلاة مثلاً عند فوات جزء منها كالحمد نسياناً.

وصحّة هذا التقريب وفساده متفرّع على المباني الماضية في حديث (الرفع)، فإن اخترنا أنّ المقصود بالنسيان هو ما نشأ من النسيان وهو هنا ترك الحمد مثلاً، وأنّ الرفع رفع عنائي للوجود الخارجي، أي: فرض ما في الخارج بمنزلة نقيضه، صحّ إثبات المقصود هنا بحديث (الرفع)، إذ قد فرض ترك الحمد بمنزلة فعله، وهذا في الحقيقة حكم بترتّب آثار الفعل، فحديث (الرفع) حاكم على مثل قوله:« لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب »؛ إذ يحكم بثبوت الفاتحة في المقام.

وإن فرض أنّ المقصود بالنسيان هو المنسيّ وهو الحمد في المقام، وجب أن يفرض أنّ الرفع رفع حقيقي للوجود التشريعي لا رفع عنائي للوجود الخارجي؛ لأنّ المفروض عدم وجود الحمد خارجاً.

وعلى أيّة حال، فإن فرض أنّ الرفع رفع حقيقي للوجود التشريعي فسواء فرض أنّ المرفوع هو المنسيّ وهو الحمد في المقام، أو ما نشأ من النسيان وهو الترك، نقول: إنّه إن اختصّ النسيان ببعض الوقت فلا مجال للتمسّك بحديث (الرفع)؛ إذ الحمد في خصوص ذاك الوقت، أو تركه فيه ليس موجوداً بوجود تشريعي حتّى يرفع، وإنّما الموجود بالوجود التشريعي هو الحمد في مجموع الوقت، أو تركه في جميع الوقت.

 


فيما إذا كان المركّب مستحبّاً دائماً، لا واجباً في بعض الاحيان، بأن يقال: رغم عدم وجوب الكل أبداً كان المولى بصدد بيان الملازمة بين وجوب الكل ووجوب جزئه.

فالاُولى دعوى أنّ مفاد الإطلاق عرفاً في الأمر بالجزء هو الملازمة بين الإتيان بالفعل صحيحاً ووجوب جزئه، ولازمه أنـّه حينما لا يمكن إيجاب الجزء للعجز عنه يستحيل الإتيان بالفعل صحيحاً.

وبكلمة اُخرى: أنّ الأمر بالجزء مفاده المباشر هو البعث إلى الجزء الداعي الذي يكشف عنه هذا البعث هو الجزئيّة، والعرف هنا حَمَلَ الإطلاق لحالة العجز بعد استحالة إطلاق المفاد المباشر ـ وهو البعث ـ على كونه بداعي بيان إطلاق الجزئيّة، وهذا يختلف عن فرض كون الأمر بالجزء إرشاداً محضاً إلى الجزئيّة كما قال به الأصحاب، والسرّ في استهجان التصريح بالإطلاق أنّ هذا التصريح يقوّي ظهور الكلام في ارتباط الإطلاق بنفس المفاد المباشر للأمر وهو البعث.