المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

411

والصحيح: أنّ التفسير الأوّل خلاف الظاهر؛ إذ:

أوّلاً: أنّ حرف السلب في قوله: «لا يسقط» بحسب ظهوره الأوّليّ يكون نفياً حينما لا قرينة على إرادة النهي.

ثانياً: لا يصحّ حمل الرواية على النهي، لا لمجرّد عدم القرينة على ذلك كما ذكرناه في الوجه الأوّل، بل لخصوصيّة في سياق الحديث، وهي أنّ حرف السلب لم يدخل على ما هو فعل المكلّف حتّى يقبل حمله على النهي، وإنّما دخل على ما هو من أفعال المولى، وهو سقوط الميسور، والتعبير (بالسقوط) يكون باعتبار وجوده واستقراره في العهدة كما يقال: كان عليه دين فاسقطه.

إن قيل: يمكن أن يراد السقوط من حيث العمل الخارجي بمعنى ترتيب آثار السقوط فيتصوّر النهي، وذلك كما في: «لا تنقض اليقين بالشكّ» حيث يحمل على ترتيب آثار النقض، وإلّا فأصل اليقين منقوض ومقطوع جزماً.

قلت: أوّلاً: إنّ هذا إنّما يصار إليه حيث لا يمكن حمل اللفط على معناه الحقيقي، فيُحمل على إرادة آثار ذلك المعنى كما في حديث: (لا تنقض)، وهذا بخلاف مثل ما نحن فيه الذي يمكن حمله على معناه الحقيقي.

وثانياً: أنّ النقض من الأفعال التي يمكن إضافتها إلى المكلّف في نفسها بغضّ النظر عن خروجه عن قدرة المكلّف، والسقوط ليس هكذا، وإنّما الذي يقابل النقض في هذه الجهة هو الإسقاط، وأمـّا السقوط فهو مقابل الانتقاض؛ ولذا اُسند في الحديث إلى الميسور لا إلى المكلّف.

نعم، لو قُرىء الحديث هكذا: (الميسور لا يُسقَط) بصيغة المجهول، صحّ من هذه الناحية قياسه بالنقض في حديث: (لا تنقض).

ثمّ لو سلّم حمل الحديث على النهي قلنا: إنّ هذا الحديث إنّما يدلّ على المنع عن إسقاط الميسور من المستحبّ من جهة تعذّر بعض الأجزاء، وأمـّا إسقاطه من جهة كونه من المستحبّات لا من الواجبات، فلا يدلّ على المنع عنه، فلا معارضة بين الهيئة والإطلاق.

ثمّ لو سلّم التعارض بين ظهور النهي في اللزوم والإطلاق، قلنا: إنّ الأوّل يقدّم على الثاني على ما قرّر في محلّه، فلو ورد مثلاً: (لا تكرم الفاسق) وورد الدليل على جواز إكرام زيد الفاسق، يجعل الثاني مخصّصاً للأوّل لا قرينة على حمل النهي على الكراهة، بأن يقال بجواز إكرام كل فاسق لكن مع الكراهة.