المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

413

ونحن نذكرها هنا فنقول: إنّ نكتة الفرق بين الموردين هي: أنّ الكلام في الصورة الثانية يكون محفوفاً بما يصلح للقرينيّة على خلاف الأصل؛ لأنّه مردّد بين معنيين يكون أحدهما قرينة على عدم المولويّة، وقد تقرّر في موضعه أنّ الأصل لا يجري في مثل ذلك.

ثمّ إنّ السيّد الاُستاذ بنى هذا التقريب على التفسير الثاني للرواية(1) مع أنـّه جار حتّى على الوجه الأوّل في تفسيرها، وهو حمل الرواية على النهي. نعم، لا يجري على الوجه الثالث، وهو حملها على الإخبار الصرف، فإنّه يكون ـ عندئذ ـ إرشاداً وإخباراً على كل تقدير مع قطع النظر عمّا سنبيّنه ـ إن شاء الله ـ من أنّ الإخباريّة لا تنافي المولويّة.

وعلى أيّة حال فهذا الإشكال ـ أيضاً ـ غير وارد، فإنّه يرد عليه:

أوّلاً: أنّ الكلام يكون مولويّاً حتّى إذا حمل على باب الكلّي والفرد، غاية الأمر أنـّه بناءً على حمله على الكلّي والفرد يكون الحكم المولوي بإتيان الميسور بعد سقوط المعسور مبيّناً بنفس الخطاب الأوّل أيضاً، ويكون الخطاب تكراراً وتأكيداً، وليس معنى هذا أنـّه أصبح إرشاديّاً لا مولويّاً، وإنّما الفرق بين الخطاب الإرشادي والخطاب المولوي هو أنّ الخطاب المولوي يبيّن حكماً يصدر عن المولى بما هو مولى، سواء كان ذلك بياناً مكرراً وتأكيداً، أو بياناً ابتدائياً وتأسيساً، والخطاب الإرشادي يبيّن حكماً لا يصدر عن المولى بما هو مولى وليس من شؤون مولويّته، كما لو بيّن مضارّ الجبن مثلاً، أو أمر باطاعته تعالى ونهى عن معصيته، فإنّ وجوب الإطاعة وحرمة المعصية له تعالى إنّما هو من مدركات العقل العملي، وليس أمراً يصدر عن المولى بما هو مولى.

والخلاصة: أنّ الفرق بين باب الكلّي والفرد وباب الكلّ والجزء في المقام إنّما


(1) السيّد الخوئي(رحمه الله) ذكر هذا الإشكال في حديث (ما لا يدرك) وعطف عليه في الدراسات حديث (الميسور)، وعلى أيّ حال فهو لم يخصّص الإشكال بالتفسير الثاني، بل عمّمه للتفسير الأوّل والثاني على اختلاف بين التفسير الأوّل والثاني في كلامه عنهما في كلام اُستاذنا الشهيد. فالسيّد الخوئي (رحمه الله) يجعل التفسير الأوّل كون (لا) ناهية حقيقة لا نافية قُصد بها النهي من سنخ قصد الإنشاء بالإخبار في مثل (اسجد سجدتي السهو) كما ذكر اُستاذنا الشهيد، ويكون التفسير الثاني عنده عين التفسير الأوّل عند اُستاذنا الشهيد.