المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

414

هو بكون الخطاب تأكيداً أو تأسيساً لا بالمولويّة والإرشاد، ومن الواضح أنّ التأكيد والتأسيس ليسا من مداليل الألفاظ حتّى يلزم من الجمع بينهما استعمال اللفظ في معنيين مثلاً، وإنّما هما أمران ينتزعان من سبق بيان آخر لهذا الحكم على هذا البيان وعدمه، فلا يلزم من الجمع بين باب المركّب وباب الكلّي أيّ محذور في المقام.

وثانياً: أنّنا لو سلّمنا أنّ الحكم في باب الكلّي والفرد يكون إرشاديّاً، وفي باب المركّب يكون مولويّاً، قلنا: إنّ المولويّة والإرشاديّة ليستا من المداليل المستعمل فيها اللفط، فصيغة الأمر في قوله: (أقم الصلاة)، وفي قوله: (اطع اللّه) مثلاً قد استعملت في معنى واحد وهو النسبة البعثيّة والتحريكيّة، وإنّما المولويّة والإرشاديّة من مقام المدلول التصديقي لا التصوّري، فلا يلزم من الجمع بين باب الكلّي وباب المركّب محذور، ولا يكون استعمالاً للفظ في معنيين، غاية الأمر أنـّه اُريد من هذه الجملة مدلولان تصديقيّان، ولا محذور في ذلك إذا كان بين المدلولين التصديقيّين سنخيّة بحيث يُناسب أن يكون كلاهما معاً مراداً من هذه الجملة.

ومنها: إشكال يبتني على حمل الحديث في المقام على النفي الحقيقي الإخباري، وهو أنّ هذا النفي في باب الكلّي مع أفراده يكون حقيقياً، وفي باب الكلّ مع أجزائه يكون مسامحيّاً؛ لأنّ وجوب الكلّ يسقط بتعذّر أحد الأجزاء، ولو وجب الباقي فهو وجوب جديد، والمسامحة تحتاج إلى قرينة وهي مفقودة في المقام، فيحمل الحديث على باب الكلّي والأفراد.

أقول: إنّ هذا الكلام إنّما يكون بناءً على التصوير المشهور ـ في وجوب الباقي عند تعذّر أحد الأجزاء ـ من أنّ الوجوب الأوّل تعلّق بالكلّ، وسقط بالتعذّر، وأنّ هذا وجوب جديد. وأمـّا بناءً على التصوير الذي مضى منّا من فرض تعلّق الوجوب بالجامع بين الفرد الكامل عند التمكّن والفرد الناقص عند العجز، فلا يأتي هذا البيان.

بل التحقيق: أنّ هذا الكلام لا يتمّ حتّى بناءً على التصوّر المشهور من تعلّق الوجوب بالكلّ وسقوطه بتعذّر الجزء؛ وذلك لأنّه لو قدّر في المقام كلمة (الحكم) وكان المعنى: (أنّ حكم الميسور لا يسقط بالمعسور)، تمّ هذا الكلام، وقلنا ـ كما في الدراسات ـ(1): إنّ عدم السقوط هنا عنائي؛ لأنّ وجوب الكلّ قد سقط حتماً، ولكنّ التقدير خلاف الأصل. وظاهر الحديث إسناد السقوط إلى نفس الميسور باعتبار ما له


(1) ج 3، ص 304 - 305، وراجع ـ أيضاً ـ المصباح: ج 2، ص 484 - 485.