المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

415

من نوع ثبوت في العهدة وهو ثبوت استعلائي، فنقول: إنّ هذا الميسور لا يسقط من مكانه بسقوط المعسور، وبحسب النظر الدقّي وإن كان الثبوت في العهدة تابعاً لثبوت الحكم، فيسقط الواجب بسقوط الوجوب، لكن في نظر العرف يُرى الحكم حيثيّة تعليليّة لثبوت الشيء في العهدة لا حيثيّة تقييديّة، من قبيل الشيء الذي يكون ثابتاً في الرفّ لأجل اتّكائه على خشبة مثلاً، فإذا اُستبدلت الخشبة بخشبة اُخرى قيل إنّ هذا الشيء لم يسقط من الرفّ؛ لأنّه اسندته خشبة اُخرى، وكذلك في المقام إذا اُستبدل الوجوب بوجوب آخر متعلّق بالميسور، قيل: إنّ الميسور لم يسقط عن العهدة.

هذا. والمحقّق الاصفهاني(قدس سره) ذكر: أنّ عدم السقوط منسوب إلى نفس الميسور لا إلى حكمه كما ذكرنا، إلّا أنـّه (رحمه الله) ذكر أنّ نسبة عدم السقوط عليه تكون باعتبار موضوعيّتة للحكم فمفاد الحديث: أنّ الميسور لا يسقط عن كونه موضوعاً للحكم بسقوط المعسور(1).

أقول: إنّ هذا ممّا لا يساعد عليه البحث العرفي، فإنّ السقوط يحتاج إلى فرض نحو ارتفاع للساقط بحيث يهوي ويسقط، ومجرّد كون الميسور موضوعاً للحكم لا يوجب نحو ارتفاع له ما لم تكن موضوعيّته لهذا الحكم مساوقة لوجوده في العهدة على المكلّف؛ ولذا لو ارتفعت إباحة شرب الماء مثلاً لا يقال: إنّه سقط شرب الماء، ولو ارتفع وجوب الصلاة قيل: إنّه سقطت الصلاة(2).

وأمـّا حديث «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» فلو كنّا نحن وهذه الجملة، لكانت دلالتها على المقصود واضحة، فإنّ ظاهرها أنـّه كلّما وجب شيء ثمّ


(1) نهاية الدراية: ج 2، ص 299.

(2) وكأنّ المتحصّل من هذا البحث: أنّ حديث الميسور عيبه هو ضعف السند، ولو كان تامّاً سنداً لصحّ الاستدلال به على قاعدة الميسور. ولكن لا يبعد القول بأنّ هذا الحديث حتّى لو فرضت تماميّته سنداً فهو غير تامّ دلالة؛ وذلك لأنّ قاعدة الميسور قاعدة مركوزة عقلائيّاً لا في مورد البحث من فرض عدم سقوط الميسور من الأجزاء بالمعسور منها، بل في مورد فرض سقوط الميسور من الأفراد بالمعسور منها، وهذا الارتكاز العقلائي يصرف النصّ إلى مفاده المرتكز، ولا تبقى للحديث دلالة على ما هو خارج من دائرة ذاك الارتكاز، وبهذا تبطل ـ أيضاً ـ دلالة (ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه).