المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

416

تعذّر بعضه فلابدّ من الإتيان بالبعض الآخر، وهذا هو تمام المقصود في المقام.

إلّا أنـّه استشكل في دلالة الحديث من ناحية أنّ هذه الصيغة طبّقت على مورد الكلّي والفرد؛ إذ وردت في قصة: وهي أنّ صحابيّاً سأله (صلى الله عليه وآله)أنـّه هل يجب الحجّ في كلّ عام؟ فلم يجب (صلى الله عليه وآله) إلى المرّة الثالثة، فانضجر (صلى الله عليه وآله)وضاق بهذا الإلحاح، وقال: «لو قلت: نعم، لوجب الحجّ في كلّ عام، ولو وجب، لما استطعتم ولو تركتم لكفرتم» ثمّ قال بعد ذلك: «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم».

وكلمة ( مِن ) وإن كانت ظاهرة في التبعيض إلّا أنـّه لابدّ من حملها على البيانيّة أو على معنى الباء مثلاً، حتّى ينسجم مع المورد، فكأنّه يقول (فأتوه، أو فأتوا به ما استطعتم)، وحملها على معنيين غير صريح.

وأجاب المحقّق الاصفهاني (قدس سره)عن ذلك بأنّنا لا نسلّم كون ( من ) موضوعة للتبعيض بالمعنى الذي لا يناسب الفرد بالنسبة للكلّي، بل معنى كونها دالّة على التبعيض أنّها دالّة على الاقتطاع والاستخراج والإفراز بنحو من الأنحاء، وهو كما يناسب اقتطاع الجزء من المركّب كذلك يناسب اقتطاع الفرد من الكلّي بحسب النظر العرفي باعتبار أنّ الكلّي له نحو إحاطة وشمول على الأفراد، فيكون إخراج الفرد منه نحو اقتطاع له منه(1). وهذا الذي أفاده (قدس سره) في غاية الوجاهة.


(1) الشيخ الإصفهاني(رحمه الله) ليس بصدد تصحيح دلالة الرواية على المقصود بهذا البيان، بل بصدد بيان أنّ كلمة (مِن) التبعيضيّة لا توجب اختصاص مفاد الرواية بالمقصود من وجوب الإتيان بالمقدار الممكن من المركّب لدى تعذّر بعض الأجزاء؛ وذلك لأنّ كلمة (مِن) هنا لا تحمل على التبعيض بعنوانه بالمعنى الذي ينسجم مع الكلّ والبعض، ولا ينسجم من الكلّي والفرد؛ إذ لو حملت على هذا المعنى لما أمكن تطبيق النصّ على مورده وهو الكلّي والفرد، بل هي لمجرّد اقتطاع مدخولها عن متعلّقه، وهذا وإن كان يوافق التبعيض في المركّب ولكنّه في نفس الوقت يناسب الكلّي والفرد أيضاً؛ لأنّ الفرد منشعب من الكلّي ويصحّ اقتطاع الفرد المستطاع من الكلّي، فلا تتعيّن إرادة المركّب من الحديث، والمتيقّن بحسب مورد الحديث هو الكلّي دون المركّب. راجع نهاية الدراية: ج 2، ص 299.

وكأنّه (رحمه الله) يقصد إبطال دلالة الحديث على المدّعى على أساس مسلك كون وجود القدر المتيقّن في مقام التخاطب يضرّ بالإطلاق، وبما أنّ القدر المتيقّن بلحاظ مورد الحديث هو الكلّي والفرد، فلا يمكن إثبات المقصود بإطلاق الحديث.