المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

417

إلّا أنـّه لابدّ بعد هذا من التكلّم في فقه الرواية، باعتبار أنّ الرواية لا تخلو من إشكالات قد تؤدّي إلى الالتزام بإجمالها، أو بوقوع سقط فيها، او تفسير للرواية يوجب سقوطها عن الاستدلال بها، والإشكالات التي قد تخطر بالبال هي اُمور:

الأوّل: أنـّه يبدو من الحديث أنّ السؤال كان بنفسه قوّة محرّكة للتشريع، فكان من المحتمل أن يتحرّك التشريع الإسلامي بمنبّهيّة السؤال فيوجب الحجّ في كلّ عام.

وهذا عجيب، فإنّ الأحكام تتبع المصالح والمفاسد الواقعيّة، فلو كان ملاك الحكم تامّاً فلابدّ من تشريعه سواء سأل السائل وألحّ على السؤال أوْ لا، وإلّا فلا معنى لتشريعه سواء سأل أو لم يسأل.

الثاني: أنـّه (صلى الله عليه وآله)قال: «لو قلت: نعم، لوجب الحجّ في كلّ عام، ولو وجب لما استطعتم ولكفرتم ...»، فلو أنّهم لم يستطيعوا فكيف يجب؟! وكيف يكلّفون بما لا يُستطاع؟! ثمّ كيف يُعقل أن يفرضهم كفاراً لأنّهم لم يأتوا بما لا يستطيعون؟!

الثالث: أنّ هذه القاعدة ـ المستفادة من قوله (صلى الله عليه وآله): إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطتعم ـ لو خصّصناها بمورد الكلّ والجزء لم يناسب مورد الحديث، ولو طبّقت على باب الكلّي والفرد، فتصوير تطبيقها عليه يكون بأحد أنحاء ثلاثة:

1 ـ أن تحمل على الأمر بالكلّي بنحو صرف الوجوب، فيصير المعنى: إذا أمرتكم بشيء بنحو صرف الوجود، فأتوا من أفراده بمقدار استطاعتكم، وهذا كما ترى تناقض واضح، فإنّ الأمر المتعلّق بصرف الوجود لايقتضي أزيد من الإتيان بصرف الوجود.

2 ـ أن تحمل على الأمر المتعلّق بالكلّي بنحو مطلق الوجود، فيقول: إذا أمرتكم بكلّي بنحو مطلق الوجود من قبيل: أكرم العالم مثلاً، فأتوا من أفراده ما استطعتم.

وهذا أوّلاً: لا يناسب المورد؛ لأنّ الحجّ لم يؤمر به بنحو مطلق الوجود.

وثانياً: أنّ هذا هو المحذور الذي كان رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بصدد تخليص عكاشة والمسلمين منه، فإنّ عكاشة وبقية المسلمين لم يكونوا يحتملون أكثر من هذا المقدار، وهو وجوب الحجّ قدر المستطاع، وظاهر سياق الحديث أنـّه في مقام صيانتهم عن هذا المحذور.

3 ـ أن يكون المقصود ضرب قاعدة في مقام الاستفادة من الأدلّة: وهي أنـّه