المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

418

متى أمرتكم بكلّيٍّ فاحملوا هذا الأمر على مطلق الوجود لا صرف الوجود.

وهذا أيضاً غريب، فإنّه أوّلاً: لا ينطبق على مورد الكلام؛ لأنّ الأمر بالحجّ لا يراد منه مطلق الوجود.

وثانياً: أنّ مثل هذه القاعدة غريبة عن لسان الشارع في مجموع خطاباته؛ لأنّ أغلب الأوامر الشرعيّة مبنيّة على صرف الوجود لا على مطلق الوجود، فتأسيس قاعدة تقتضي حمل كلّ أمر وارد في لسان الشرع على مطلق الوجود غريب.

هذه هي الإشكالات الثلاثة في المقام.

والجواب عن الإشكال الثالث يكون بالحمل على معنى معقول في المقام: وهو أنّ هذه القاعدة مضروبة للحدّ الأقصى للتكاليف الشرعيّة لا للحدّ الأدنى، أي: أنّ كلّ أمر يصدر منّي لا يلزم امتثاله بأكثر من المقدار المستطاع، وأمـّا أنـّه ما هو حدّه الأدنى؟ فهذا يتبع دليله، فقد يكون بنحو صرف الوجود وقد يكون بنحو مطلق الوجود مثلاً، والمقصود من المقدار المستطاع الذي جعل حدّاً أقصى للتكاليف الشرعيّة ليس هو الاستطاعة العقليّة، بل الاستطاعة التي تقابل الحرج والمشقّة، فإنّ بعض مراتب الحرج والمشقّة يوجب بالمسامحة العرفيّة صدق عنوان غير المستطاع، فالمقصود هو أنّ الحدّ الأقصى هو المقدار المستطاع بحسب النظر العرفي الخالي من تلك المرتبة العالية من الصعوبة والمشقّة التي قد تُزيل عنوان الاستطاعة عرفاً.

والقرينة على حمل الاستطاعة على هذا المعنى قوله: «لو قلت نعم لوجب الحجّ في كلّ عام، ولو وجب لما استطعتم، ولو تركتم لكفرتم ...» فإنّ الاستطاعة هنا تكون بالمعنى الذي قلناه؛ لوضوح استحالة التكليف بغير المقدور، وعدم الكفر بترك غير المقدور، وبما أنّ الوضوح يكون كالقرينة المتّصلة بالكلام، فالاستطاعة في هذه الفقرة تكون ظاهرة في إرادة المشقّة الشديدة، فيكون هذا قرينة على أنّ الاستطاعة فى القاعدة ـ أيضاً ـ تكون بهذا المعنى، فيكون هذا الكلام جواباً لعكاشة بحسب الحقيقة، ولا يرد عليه الإشكال الثالث.

وبهذا البيان يظهر اندفاع الإشكال الثاني وهو أنـّه كيف يعقل إيجاب ما لا يستطاع وتكفير من ترك ما لا يستطيع؟ فإنّك عرفت حمل الاستطاعة على ما يقابل المشقّة الشديدة.

وأمـّا الإشكال الأوّل: وهو أنـّه كيف يمكن أن يكون السؤال منبّهاً للتشريع؟