المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

42

الخطابات الأوّليّة، ولو جعل الترخيص لأنتج عكس المطلوب من حفظ الأغراض، فإنـّه تفويت محض للغرض بلا أيّ موجب.

هذا، وقد تكلّمنا في بحث القطع في مسألة عدم إمكان الترخيص في مخالفة العلم التفصيليّ بشكل أوسع.

وأمـّا كلام المحقّق الخراسانيّ(1) (قدس سره) في المقام فقد ذكر: أنّ الحكم المعلوم بالإجمال إن فرض بلوغه إلى مرتبة الفعليّة ـ ولو بنفس العلم الإجماليّ، لم يكن الترخيص لا في تمام الأطراف؛ للزوم اجتماع حكمين فعليّين، والحكمان الفعليّان متضادّان، ولا في بعضها؛ لمضادّته له لو كان في ذاك الطرف، والمفروض أنـّه يحتمل كونه في ذاك الطرف، فيلزم احتمال التضادّ، وإن فرض أنـّه لم يصل بعد إلى مرتبة الفعليّة، حتى بنفس العلم الإجماليّ، بل تتوقّف فعليّته على شيء آخر كالعلم التفصيليّ، أمكن الترخيص في المقام.

وهذا الوجه ـ كما ترى ـ بيان للتضادّ بين الحكم الظاهريّ والحكم الواقعيّ، لا بينه وبين حكم العقل بلزوم الامتثال، عكس الوجه الأوّل.

ويقول (رحمه الله): إنـّه في مورد الشكّ البدويّ ـ أيضاً ـ لو كان الحكم فعليّاً لم يمكن الترخيص في مخالفته، وإنـّما نلتزم فيها بالترخيص؛ لثبوت عدم فعليّة التكليف فيها ولو بقرينة نفس أدلّة الترخيص.

فظهر أنّه(رحمه الله) لايرى ـ في الحقيقة ـ فرقاً بين العلم الإجماليّ والشك البدويّ، بل في كلّ منهمايرى أنّ التكليف إن بلغ مرتبة الفعليّة لا يمكن الترخيص في مخالفته، وإلاّ أمكن الترخيص فيها، وإنـّما جاء الفرق بين الشّك البدويّ والعلم الإجماليّ من ناحية أنـّه في الشّك البدويّ فرض ثبوت عدم فعليّة التكليف ولو بقرينة أدلّة الاُصول، وفي العلم الإجماليّ فرض افتراضاً تعلّقه بالتكليف الفعليّ، فوقع التكلّم في هذا الفرض، وقيل بعدم إمكان الترخيص في أطرافه.

بل يمكن أن يستنتج من مبانيه أنـّه لا يفرّق ـ بحسب الروحـ بين الشكّ البدويّ والعلم التفصيليّ، ففي العلم التفصيليّ ـ أيضاً ـ إن فرض التكليف بالغاً مرتبة الفعليّة لا يمكن الترخيص في الخلاف، وإن كانت فعليّته موقوفة عل أمر غير حاصل


(1) راجع الكفاية: ج 2، أوّل بحث الشكّ في المكلّف به، ص 208 بحسب الطبعة المقرونة بحاشية المشكينيّ.