المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

43

أمكن الترخيص فيه، وإنـّما جاء الفرق بين العلم التفصيليّ والعلم الإجماليّ من ناحية استبعاد أن تكون لفعليّة الحكم بعد تعلّق العلم التفصيليّ به حالة منتظرة، بخلاف فرض تعلّق العلم الإجماليّ به(1).

أقول: إن كان مراده (قدس سره) من فعليّة المعلوم بالإجمال فعليّة تحفّظ المولى عليه، حتى بلحاظ تزاحم الأغراض، فعدم إمكان الترخيص في ذلك صحيح، إلاّ أنّ هذا الكلام مرجعه إلى أنّ التكليف الذي يُلزِم المولى الاحتياط بالنسبة له عند اشتباهه بإباحة لا يمكن أن يرخّص فيه، وهذا واضح، ويشبه قولنا: إنّ التكليف الذي لا يرخّص المولى فيه لا يرخّص فيه، وليس الكلام في هذا، وإنـّما الكلام في أنـّه: هل يمكن للمولى رفع اليد عن تكليفه المعلوم بالإجمال، من قبيل رفعه اليد عن التكليف المشكوك، أو لا؟ وبكلمة اُخرى: أنّ الفعليّة بهذا المعنى هي بنفسها محلّ البحث، فالتكلّم مع فرض هذه الفعليّة أمراً مفروغاً عنه خروج عن محلّ البحث.

وإن كان مراده من فعليّته فعليّته ذاتاً بقطع النظر عن مسألة المزاحمة ـ سواء كان المقصود فعليّة المبادىء، أو كان المقصود فعليّة الموضوع ـ فكون ذلك منافياً للترخيص في الأطراف ممنوع؛ لمابيّنّاه من إمكان الترخيص من باب تفويت غرض مهمّ لأجل غرض أهمّ.

وأمـّا كلام المحقّق العراقيّ (قدس سره) في المقام، فهو دعوى مضادّة الترخيص في المقام لحكم العقل والحكم الواقعيّ معاً، وجعل (رحمه الله)مضادّة الترخيص للحكم


(1) كأنّ الفرق بين العلم الإجماليّ والتفصيليّ في المقام لدى المحقّق الخراسانيّ هو أنـّه ليس من المحتمل كون تفصيليّة العلم أحد الموانع عن فعليّة الحكم، في حين أنـّه من المعقول افتراض الإجمال مانعاً عن الفعليّة، فيقال: إنـّنا إنـّما نتكلّم عن فرض العلم بحكم كان من سائر الجهات غير جهة الشكّ فعليّاً، فحكم من هذا القبيل لو تعلّق به العلم التفصيليّ أصبح فعليّاً من كلّ الجهات؛ لأنـّه حتى لو كان العلم دخيلاً في الفعليّة فقد حصل. أمـّا لو تعلّق به العلم الإجماليّ لا التفصيليّ بقي احتمال كون تفصيليّة العلم، وعدم اقترانه بالشكّ دخيلاً في الفعليّة، فإن ثبت عدم دخله في الفعليّة، وبالتالي أصبح الحكم فعليّاً من جميع الجهات، كان ذلك علّة تامّة للتنجيز. وإن كانت تفصيليّة العلم دخيلة في الفعليّة، أو قل: إنّ الإجمال والشكّ كان مانعاً عن الفعليّة، فالحكم لم يصبح فعليّاً من جميع الجهات، إذن جازت مخالفته القطعيّة، ولم يكن العلم الإجماليّ مقتضياً للتنجيز فضلاً عن العلّيّة التامّة.