المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

449

الأعداء، والزين على الاخلاّء وغير ذلك، وكلّ هذا لا ينطبق إلّا على هذا المعنى من العلم، لا على مجرّد استطلاع حال المسألة بشكل بسيط.

فهذه الروايات كلّها ناظرة الى وجوب طلب العلم بالمعنى الثاني، غاية الأمر أنّ هذه الروايات ظاهرة في أنّ هذا الوجوب ثابت على كلّ مسلم ـ حتّى لو لم نتعبّد بعبارة كلّ مسلم ـ إلّا أنّ مثل هذا يقيّد بما دلّ على سقوط هذا الوجوب بقيام عدد كاف في مقام حفظ الشريعة، وليكن من المقيّدات آية النفر، وغيرها من الأدلّة الدالّة على إعفاء المسلم من هذا الوجوب على تقدير قيام عدد من الناس يكفي في مقام حفظ الشريعة بذلك.

الطائفة الثانية: الروايات الآمرة بالتفقّه في الدين من قبيل ما عن علي بن حمزة قال: «سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: تفقّهوا في الدين، فإنّه من لم يتفقّه منكم في الدين فهو أعرابي، إنّ اللّه تعالى يقول في كتابه: ليتفقّهوا في الدين، وليُنذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون»(1).

وأيضاً ما عن مفضّل بن عمر قال: سمعت أبا عبد اللّه (عليه السلام) يقول: «عليكم بالتفقّه في دين اللّه، فلا تكونوا أعراباً، فإنّه من لم يتفقّه في دين اللّه لن ينظر اللّه إليه يوم القيامة، ولم يزكِّ له عملاً»(2)، ونحو ذلك من الروايات.

وهذه الروايات ـ أيضاً ـ يأتي فيها نفس الكلام السابق(3)، فإنّ التفقّه في الدين تارة يجمد فيه على المعنى اللغوي بحسب مرّ اللغة وهو الفهم، واُخرى يقصد به مرتبة من فهم الدين، وهي مرتبة معمّقة خاصّة عبّر عنها هناك بالعلم وهنا بالفقه، وعلى الثاني لا تكون الروايات دالّة على المقصود.

والظاهر منها هو الثاني، فإنّ نفس كلمة (التفقّه في الدين) تعطي ذلك، مضافاً الى التعليل بأن لا يكون أعرابياً، والأعرابي هو الشخص الذي يتخلّف عن الهجرة الى بيت العلم وبيت النبوّة، فإنّ المفروض أنّ جماعة من كلّ طائفة يهاجرون الى مركز


(1) اُصول الكافي: ج 1 باب فرض العلم، ح 6، ص 31.

(2) نفس المصدر: ح 7 .

(3) لا يخفى أنّ التعبير بـ «من لم يتفقّه لن ينظر اللّه إليه ...» آب عن الحمل على الوجوب الكفائي، فهذا قرينة على أنّ المقصود هو المقدار من التفقّه المناسب وجوبه على كلّ مسلم لا التخصّص، وهذا هو المناسب للمقابلة مع الأعرابيّة.