المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

45

هذا ما أفاده (رحمه الله) في المقام، ويرد عليه عدّة إيرادات:

منها ـ أنـّه سلّمنا وقوع التضادّ بين الترخيص وحكم العقل، لكنّ سراية التضادّ إلى الترخيص والحكم الواقعيّ ـ حسب تصوّراته (قدس سره)ـ ليست في محلّها(1)، وذلك لأنّ الثابت بالبرهان هو أنّ الغرض المقدّميّ لا يكون أوسع من قابليّة المقدّمة واستعدادها، فمن ينصب جهاز تبريد الماء مثلاً في زقاق، لا يقصد بذلك إشباع الجائعين، أو إرواء غير من يمرّ بهذا الزقاق، وإنـّما يقصد إرواء المارّين بهذا الزقاق، لا أنّ الغرض المقدّميّ يجب أن لا يكون أضيق من قابليّة المقدّمة، فقد يكون غرضه مثلاً إرواء خصوص العدول، مع أنّ هذا الجهاز يكون قابلاً لإرواء العدول والفسّاق معاً، غاية الأمر أنـّه لا ينصب شرطيّاً على الجهاز يمنع الفسّاق من الشرب، فمثل هذا الفرض ليس مستحيلاً، ولو جعل في مثل هذا الفرض شرطيّاً على الجهاز لمنعِ الفسّاق من الشرب لم يكن ذلك نقضاً لغرضه المقدّميّ، كما هو واضح، وعليه نقول في ما نحن فيه: إنّ الغرض المقدّميّ لعلّه أضيق من قابليّة المقدّمة، وغير ثابت في مورد العلم الإجماليّ، فلا يكون الترخيص نقضاً لغرضه(2) .

ومنها ـ أنـّه ما هو المقصود من ارتكاز التضادّ بين الحكم الواقعيّ المعلوم بالإجمال والترخيص؟ هل المقصود بذلك ارتكاز العقلاء بحسب تعايشهم العقلائيّ، أو المقصود به ارتكازهم بلحاظ حكم العقل محضاً؟ فإن كان المقصود هو الأوّل فهو صحيح لا إشكال فيه، إلاّ أنـّه ينشأ من أنّ الأغراض اللزوميّة إذا كانت معلومة بالإجمال فغالباً تكون أقوى لدى المزاحمة من الغرض الترخيصيّ، ومن الممكن أن يكون الغرض الشرعيّ المعلوم بالإجمال على خلاف ذلك، فبهذا لايثبت عدم إمكان الترخيص ثبوتاً. وإن كان المقصود هو الثاني، قلنا: إنّ المفروض


(1) وعندئذ فلو كان الدليل على المضادّة بين الترخيص وحكم العقل بالتنجّز، أي: الدليل على تنجيزيّة تأثير العلم الإجماليّ في التنجيز عبارة عن ارتكاز التضادّ بين الحكمين ـ كما هو مفروض كلامه ـ إذن لم يبقَ دليل على هذه المضادّة أيضاً.

(2) كأنّ المحقّق العراقي (رحمه الله) يرى أنّ روح الحكم عبارة عن اهتمام المولى بتحصيل غرضه بقدر ما يصلح الخطاب لكونه مقدّمة مؤثّرة في تحصيل الغرض، ففرض الضيق في هذا الغرض المقدّميّ يساوق تقييد الحكم الواقعيّ، وهذا خلف، فإنّ المفروض تصوير الحكم الظاهريّ مع الحفاظ على الحكم الواقعيّ.