المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

50

عنوان (ما لا يعلمون)، وعنوان المشكوك وشبه ذلك، والمشكوك عبارة عمّا فيه احتمالان: احتمال غرض إلزاميّ واحتمال غرض ترخيصيّ، فالعرف يفهم من ذلك أنّ المولى قدّم احتمال الغرض الترخيصيّ على احتمال الغرض الإلزاميّ بلحاظ التزاحم بينهما، وهذا لا ينافي عدم تقديم الغرض الإلزاميّ القطعيّ عند تزاحمهما.

وقد يخطر بالبال في المقام إشكال (ولنجعل مصبّ كلامنا فرض ما إذا علمنا


وهذا الذي ذكرناه واضح في الفهم العرفي، إلاّ أنـّه قد يثار سؤال فنيّ في المقام، وهو أنـّه ما هي النكتة في الفرق بين الإباحة والتحريم مثلاً، حيث يفهم من دليل الإباحة الحكم الحيثيّ، ولكن يفهم من دليل التحريم التحريم المطلق، فإذا قال: (الجبن حلال) ثمّ عرفنا أنّ الجبن المغصوب حرام من ناحية الغصب لا يعتبر هذا تقييداً لدليل الحلّ؛ لأنّ دليل الحلّ إنـّما دلّ على أنّ الجبن من حيث هو حلالٌ، ولم يدلّ على أكثر من ذلك، ولكن إذا قال: الجبن حرام، ثمّ عرفنا أنّ الجبن يحلّ حينما يصبح دواءً للمريض، يكون هذاتقييداً لإطلاق دليل الحرمة، فما هي النكتة في الفرق بين الأمرين؟

ويمكن الجواب على ذلك بأحد وجهين:

إمـّا بإبداء نكتة الغلبة، وهي غلبة كون الأحكام الترخيصيّة العقلائيّة حيثيّة، وغلبة الخلاف في الأحكام الإلزاميّة. فالغلبة في الأحكام العقلائيّة هي التي أثّرت في ظهور الكلام في الموردين.

وإمـّا بإبداء نكتة اُخرى، وهي أنّ دليل الحرمة يكون مفهومه عرفاً أنّ الحيثيّة المأخوذة في الكلام تأتي منها الحرمة، فمثلاً لو قال: (يحرم الخمر) فهذا يعني أنّ الخمريّة حيثيّة توجب الحرمة، ومقتضى إطلاق الدليل كون هذه الحيثيّة غالبة على أيّ حيثيّة اُخرى مزاحمة لها، فلو كان الخمر صدفةً دواءً للمريض كان مقتضى إطلاق دليل الحرمة حرمته عليه أيضاً؛ لأنّ حيثيّة الحرمة موجودة على أيّ حال. وأمـّا دليل الحلّ فحتى إذا قلنا: إنّ الحلّ حكم وجوديّ مجعول من قبل المولى، يكون المدلول الأقصى النهائيّ له عرفاً نفي كون تلك الحيثيّة موجبة للحرمة، وعدم كون تلك الحيثيّة كحيثيّة الجبن مثلاً موجبة للحرمة لا تنافي فرض حيثيّة اُخرى في بعض الموارد كالغصب توجب الحرمة. وهذا البيان صادق حتى في الحلّيّات الاقتضائيّة، ولا يختصّ بالحلّيّات اللااقتضائيّة، فإنّ دليل الحلّ في الحلّيّات الاقتضائيّة ـ أيضاً ـ ليس مفاده العرفي بأكثر من أنّ تلك الحيثيّة لا تخلق الحرمة، ولو فرض أنّ سبب عدم خلقها للحرمة وجود ملاك يقتضي الحلّ، وهذا لا ينافي فرض حيثيّة اُخرى صدفةً في بعض الموارد تخلق الحرمة.