المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

521

بالإنسان الى حدّ يتراءى بحسب النظر العرفي كأنّه ضرر مطلق. ولا مؤونة في إطلاق كلمة (الضرر) عليه بلا قيد، فيشمله حديث (لا ضرر)، وذلك كما في تخلّف الأغراض المعامليّة من الشروط الضمنيّة والصريحة حيث يحكم فيها بالخيار بقاعدة لا ضرر، فإنّ جهة صدق الضرر وهي الغرض المعاملي كأنّها لا تعتبر قيداً في نظر العرف؛ لشدّة التصاقها بالإنسان، فكأنّ الضرر مضاف ابتداءً الى الشخص بما هو شخص.

الناحية الثانية: من حيث الناظر والحاكم بصدق الضرر، فقد يكون الضرر مطلقاً كما في قطع اليد مثلاً، واُخرى يكون مقيّداً أي: بلحاظ بعض الأنظار والقوانين دون بعض، كأن تحكم الدولة مثلاً بعدم مالكيّة الشخص لما أحياه من الأرضين، فإنّ هذا ضرر في نظر النظام الرأسمالي أو الإسلامي، لا في نظر النظام الشيوعي مثلاً، وحديث (لا ضرر) يشمل الضرر المطلق . وأمّا الضرر المقيّد المختلف باختلاف الأنظار، فإن استفدنا كونه ضرراً بنظر الشارع من نفس حديث (لا ضرر) - على ما يأتي بيانه إن شاء اللّه ـ(1) أو من أيّ دليل آخر، شمله حديث (لا ضرر).

وإن لم يكن ضرراً بنظر الشارع الذي حكم بقاعدة لا ضرر فالضرر في كلامه غير شامل لذلك.

ثمّ إنّهم ذكروا: أنّ الضرر هو النقص في المال، أو النفس، أو العرض، ونحن نستبدل كملة العرض بكملة الكرامة حتّى تكون أشمل.

وقد يستشكل في عطف العرض على المال والنفس لما يُرى من عدم صدق الضرر على العرض إذا نظر الأجنبي الى واحد من حريم الشخص مثلاً، مع أنّه لم يحفظ حقّ عرضه.


(1) الذي سوف يأتي في آخر المقام الخامس وهو في فقه الحديث بلحاظ جملة (لا ضرر) هو أنّ لا ضرر يشمل زائداً على الأضرار الحقيقية الأضرار الارتكازيّة في عرف زمان الشارع، وذلك إمّا بإطلاق لفظي بلحاظ أنّ الشارع هو فرد من أفراد العرف ويخاطب العرف، أو بإطلاق مقامي، بأن يحمل الضرر في لسان الشارع على معنى ما هو ضرر في نظر الشارع، ويقال: إنّ الإطلاق المقامي دلّ على اعتماد الشارع في تعيين ما هو الضرر عنده زائداً على الأضرار الحقيقية على الارتكاز والنظر العرفي السائد وقتئذ في المجتمع الذي كان يعيش به الشارع، فالشارع قد اعتمد الارتكاز العرفي قرينة على مراده، إذن فما اختاره (رحمه الله) هنا هو أحد الوجهين اللذين ذكرهما في ما يأتي.