المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

526

لتعديته، بمعنى: أنّ الفعل قبل إدخال هيئة فاعل عليه كان متعدّياً بذاته من دون أن يكون تعدّيه ملحوظاً بالاستقلال، وبعد إدخال هيئة فاعل عليه يكون تعدّيه متقصّداً وملحوظاً بالاستقلال، وهذا يفيد نوع توكيد للتعدّي. هذا ما أفاده المحقّق الاصفهاني(قدس سره) في المقام، وعلينا البحث في كلّ هذه الأقسام الثلاثة من كلامه.

ولنبدأ بالقسم الثالث فنقول: أمّا ما ذكره: من عدم تغيّر معنى الفعل المتعدّي بإدخال هيئة (فاعَلَ) عليه فغير صحيح، والصحيح: هو تغيّر المعنى، كما يكون ذلك واضحاً في الأفعال التي يتغيّر مفعولها بعد تغيّر معناها بإدخال هيئة (فاعَلَ) عليها كطرحت الثوب وطارحت زيداً الثوب، فمفعوله كان هو الثوب فأصبح زيداً(1)، وكأنّ الخلط نشأ من ملاحظة الأفعال التي لا يتغيّر مفعولها بعد تغيّر معناها بإدخال هيئة (فاعَلَ) عليها، كضربت زيداً وضاربت زيداً، فتخيّل أنّ المعنى لم يتغيّر.

وأمّا ما ذكره من أنّ الفرق بين باب المفاعلة والمجرّد المتعدّي: هو كون التعدّي ملحوظاً مستقلاً، فلو كان المراد منه أنّ المفاعلة موضوعة لمفهوم التعدّي فلا معنى له، فإنّ مفهوم التعدّي معنى اسمي ليس له أيّ دخل بالمقام، ولا يستفاد من ضاربَ مثلاً مادة وهيئة كما هو واضح.

ولو كان المراد: أنّ المفاعلة تدلّ على منشأ انتزاع التعدّي، فمنشأ انتزاع التعدّي هو نفس معنى الفعل الذي دلّ عليه المجرّد، فلم يبق فرق بين المفاعلة والمجرّد.

هذا. والذي يستفاد من ذيل عبارته (قدس سره) هو شيء آخر غير ما استفدناه من أوّل العبارة، وهو أنّ الفرق بين المجرّد وباب المفاعلة: هو أنّ باب المفاعلة موضوع لإفادة ما يفيده المجرّد مع التعدّي بمعنى: تقصّد الفاعل حين إصدار الفعل بلوغ الفعل الى المفعول، فمثلاً خدعه يكون في ذاته متعدّياً، ويكون بمعنى: أنّه ألبس عليه الأمر، ولكن لا يستفاد منه كونه تلبيساً متقصّداً، وأمّا خادعه فمعناه هو التلبيس مع التقصّد والعمد.

ويرد على هذا: منع مساعدة العرف عليه خصوصاً في بعض الموارد كقابلته، فإنّه يصحّ أن يقال: قابلته صدفة وكصادفته، فإنّ المادّة فيه لا تنسجم مع ما ذكره من المعنى.


(1) لا يخفى أنّ هذا ملحق بقسم تبدّل الفِعل اللازم الى المتعدّي، فإنّ الفعل كان متعدّياً الى مفعول واحد وبإدخاله في هيئة المفاعلة عُدّي الى اثنين.