المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

527

وأمّا ما ذكره: من أنّ فائدة باب المفاعلة الذي يكون مجرّده لازماً هي ما يفيده حرف الجرّ، فهذا في الحقيقة خلط بين قسمين من التعدّي:

الأوّل: التعدّي بمعناه الحقيقي وهو كون الفعل صدورياً لا حلولياً من قبيل ضَرَبَ، ومعنى التعدّي: هو أنّ معنى الفعل يكون سنخ معنىً ينتهي من الفاعل الى المفعول به، ويتقّوم بالفاعل والمفعول به معاً، فالنسبة التي تدلّ عليها هيئة الفعل بنفسها تتطلّب في أحد طرفيها مصبّين وحدّين: أحدهما الفاعل، والثاني المفعول به، فهي نسبة تكون من أحد الطرفين ذات رأس واحد وهو مادّة الفعل، ومن الطرف الآخر ذات رأسين: وهما الفاعل والمفعول به، ومن هنا ظهر أنّ المفعول به طرف للنسبة التامّة كالفاعل.

والثاني: التعدّي الحاصل بحرف الجرّ، وهذا في الحقيقة ليس تعدّياً بمعنى تغيير معنى الفعل الحلولي بنحو يصبح صدوريّاً بحيث تكون النسبة في أحد طرفيها ذات رأسين، بل يبقى الفعل على حلوليّته، وإنّما حرف الجرّ شأنه تحصيص المادّة وتقييدها بالمجرور، فيصبح المجرور طرفاً للنسبة الناقصة، ثمّ تنسب هيئة الفعل هذا المعنى المحصّص المقيّد الى الفاعل، والتّعدية الناشئة من تغيير صيغة الفعل كتحويله الى باب الإفعال أو المفاعلة تكون من القسم الأوّل، ففرق كبير بين (جالست زيداً) و (جلست الى زيد). فجالست يعطي معنىً يتقوّم بمعمولين، أي: يحتاج بنفسه الى فاعل ومفعول به ويكون صدوريّاً، وأمّا (جلست الى زيد)، فجلست يفيد معنىً حلوليّاً، وقد قيّد بكونه الى جنب زيد، ونسب هذا الجلوس المقيّد الى الفاعل.

ومن هنا تظهر عدّة اُمور:

منها: عدم صحّة ما ذكره المحقّق الاصفهاني (قدس سره): من أنّ فائدة باب المفاعلة في الأفعال هي فائدة حرف الجرّ .

ومنها: أنّ ما ذكره النحاة: من أنّ الفعل اللازم يتعدّى بحرف الجرّ غير صحيح، إلّا إذا اُريد من ذلك التعدّي بمعنى أعمّ يشمل هذا النحو من التعدّي وهو تحصيص المادّة وتقييدها بشيء، وهو مباين هويّةً لتعدّي الفعل الذي يكون بنفسه متعدّياً، وإن كان يعطي نتيجته ويفيد فائدته، فجلست الى زيد يفيد فائدة جالسته، فإن كان