المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

528

مقصودهم هو هذا فلا مشاحّة في الاصطلاح(1).

ومنها: أنّ ما يقال: من أنّ معنى (ذهب به) هو معنى (أذهبه) في غير محلّه، فإنّ تقيّد الذهاب بقيد (به) لا يغيّره عن معناه الأصلي، وإنّما يقيّده بأمر زائد، فيكون معناه: أنّه ذهب ذهاباً أصحب الآخر معه فيه، بحيث كأنّه كان تحت تسلّطه وتبعيّته، وهذا هو المعنى الذي قُصد بنحو المجاز و التشبيه البليغ اللطيف من قوله تعالى: ﴿ذهب اللّه بنورهمأي: كأنّه تعالى أخذ نورهم وذهب به إلى الخارج، ثمّ رجع من دون رجوع النور.

ومنها: بطلان ما استشهد به السيّد الاُستاذ على مختاره، توضيح ذلك: أنّ


(1) لا يخفى أنّه في لغة النحاة وإن كان ربّما يسمّى كلّ تعلّق للجار والمجرور بالفعل تعدّياً للفعل الى ذاك المجرور بواسطة حرف الجرّ، ولكنّ المصطلح الخاصّ لحرف التعدية ليس هذا، ولذا يجعلون التعدية أحد معاني الباء مثلاً، ولا يفرضون أنّ الباء دائماً هو للتعدّي0 وقد جاء في المغني في حرف الباء ذكر عدّة معاني لها ثانيها التعدية، وجعل المايز بين هذا القسم وسائر أقسام الباء أنّ هذا القسم يصيّر الفاعل مفعولاً، ففرق مثلاً بين الباء في (ذهبت بزيد)، وهي للتعدية وبين الباء في (مررت بزيد) والفارق: هو أنّ زيداً في (مررت بزيد) ليس مارّاً أي: ليس فاعلاً اُبدل الى مفعول، بل هو ممرور به، ولكنّه في (ذهبت بزيد) ذاهب أي: هو فاعل قد أصبح مفعولاً في المقام.

ولكنّ المحقّق الاصفهاني (رحمه الله) في المقام لم يقصد بالتعدية التعدية بمعناها الخاصّ، بل قصد التعدية بمعناها العامّ الثابت في جميع موارد حروف الجرّ، ولذا مثّل له بـ(كتب إليه، وجلس إليه) فورود إشكال اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) عليه من الخلط بين معنيين للتعدّي واضح.

بل لا يبعد أن يقال: إنّه حتّى المعنى الخاصّ للتعدّي بالباء الذي عبّر عنه صاحب المغني بأنّه يصيّر الفاعل مفعولاً يختلف عن تعدّي باب المفاعلة أو الإفعال أو التفعيل، فالتعدية بهذه الهيئات تعني تغييراً جوهريّاً في معنى الفعل مؤدّياً الى تبدّل النسبة الحلوليّة الى النسبة الصدوريّة، في حين أنّ التعدية في (ذهب بزيد) ليست هكذا، ويكون المجرور في ذلك طرفاً للنسبة الناقصة لا التامّة، وقد التفت المبرّد والسهيلي الى الفرق بين (ذهب بزيد) و (اذهب زيداً) والفرق الذي ذكراه هو مظهر من مظاهر هذا الفرق الجوهري الذي أشرنا إليه، فقد ذكرا: أنّ بين التعديتين فرقاً، وإنّك إذا قلت: (ذهبت بزيد) كنت مصاحباً له في الذهاب بخلاف ما إذا قلت: (اذهبت زيداً)، فإنّه ليس من الضروري من مفاد (اذهبت) أنّك قد ذهبت معه. وأورد صاحب المغني عليهما بالنقض بقوله تعالى ﴿ذهب اللّه بنورهم﴾ إذ لا يعقل افتراض أنّ اللّه تعالى قد ذهب مع نورهم، وكأنّ اُستاذنا الشهيد(رحمه الله) كان بصدد الجواب عن مثل هذا الإشكال، فذكر ما في المتن من أنّ المقصود بالآية: معنى بلاغي وتشبيه بديع.