المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

530

معنى المشارِكيّة (بالكسر) على نحو التقييد، فإذا قال: (ضارب زيد عمراً) دلّ ذلك على ضرب زيد لعمرو المقيّد بكونه مشاركاً لعمرو، وكأنّما قال: شارك زيد عمراً في الضرب، فباب المفاعلة يكون بين الاثنين بنحو يكون أحدهما فاعلاً والآخر مفعولاً به؛ لما عرفت من أنّه يدلّ على نسبة المادّة الى الفاعل مع إشراب معنى المشارِكيّة، فلا تلزم دلالة هيئة واحدة على معنيين، ولا عدم الفرق بين باب المفاعلة والتفاعل، ولا عدم إعطاء المفاعلة معنى يكون بين اثنين.

هذا. ولكنّه لا يمكن المساعدة على هذا الذي يستفاد من كلامهم؛ لاختلاف معنى باب المفاعلة عن معنى (شارك زيد عمراً)، فإنّه في مثل هذا يكون الأصل بحسب المتصوّر الذهني هو المنصوب، والتابع هو المرفوع، مع انّ المستفاد من باب المفاعلة هو العكس، نعم، لو فرض تضمين معنى المشارَكيّة (بالفتح) لا المشارِكيّة (بالكسر) ارتفع هذا الإشكال.

وأمّا القسم الأول من كلامه (قدس سره) فيرد عليه:

أوّلاً: أنّ ما أتى به من الأمثلة وهي أربعة عشر مثالاً، بل جميع ما يكون من قبيل تلك الأمثلة ـ إن وجد غيرها ـ لا يكون بمقدار ينافي ما يدّعى: من أنّ الأصل في باب المفاعلة هو أن يكون بين الاثنين.

وثانياً: أنّ جملة ممّا ذكره من الأمثلة إمّا تكون ممّا لا مجرّد له، أو ممّا يكون له مجرّد بغير معناه كبارز، وساعد، ونادى، ونافق، ووارى، وباشر، وبعضها وإن كان له مجرّد بمعناه، لكنّه موضوع لمعنى لا يناسب أن يكون بين أثنين، كخالَعَ وكآخذ مثلاً بمعنى المعاقبة، فبما أنّها من العالي الى السافل فوقوعها بين الاثنين بعيد عن الاعتبار، ومراد المشهور من وضع المفاعلة لما بين الاثنين: هو المفاعلة المأخوذة من المجرّد الذي يلائم معناه لفرض وقوعه بين الاثنين.

هذا كلّه لو فرضنا أنّ المراد بالأصل في المقام هو الغلبة. وأمّا لو قلنا: إنّ المراد بذلك هو أنّ باب المفاعلة بلحاظ سائر معانيه إنّما كان لشبهها بما بين الاثنين، فالمحور لمعاني باب المفاعلة الذي تكون بقيّة المعاني بلحاظه هو هذا المعنى، فسافر مثلاً لوحظت فيه مشابهته لما بين الاثنين من حيث إنّ ما يقع بين الاثنين كأنّه له نحو امتداد، والسفر ـ أيضاً ـ له نحو امتداد لطوله، فلو فرضنا أنّ المراد هو ذلك، كما هو الأقرب الى الاعتبار لا يأتي عليه الإشكال الذي أورده مهما كثرت أمثلة سائر المعاني غير معنى ما بين الاثنين ما دامت ملحوظة فيها جهة الشبه بذاك المعنى.