المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

534

بقوله: (لا ضرار)، ولا يلزم من ذلك تكرار.

والخلاصة: أنّ الضرار على ما يفهم عرفاً معناه هو الضرر مع أخذ شيء من التأكّد والتعمّق فيه، وهذا التأكّد والتعمّق قد يكون بلحاظ الجانب الخارجي للضرر، وهو عبارة عن شدّة الضرر، أو طوله ونحو ذلك، وقد يكون بلحاظ الجانب النفسي من الضرر، وهو عبارة عن تعمّده، وتصيّده، والتفنّن فيه، ونحو ذلك من التعابير. والمتعيّن في المقام هو الثاني؛ لما عرفت من أنّ الأوّل يلزم منه التكرار الركيك في المقام.

ويؤيّد ذلك نفي الفقهاء بالقاعدة جملة من الأحكام التي ليست ضرريّة في نفسها حتّى تكفي في نفيها كلمة (لا ضرر)، وإنّما تستغلّ للإضرار ويتعمّد بها الضرر، وذلك من قبيل نفي كون الطلاق بيد الزوج حينما يستغلّ الزوج ذلك في الإضرار، ونفي سلطنة الشريك حينما يستغلّها في ذلك.

وقد يقال في المقام: إنّ الضرار له معنى مباين لمعنى الضرر، فإنّ الضرر عبارة عن النقص، والضرار ليس نقصاً، وإنّما هو شدّة وضيق من دون نقص، ويستشهد لذلك باستعمال الضرار في كلّ مورد استعمل فيه من الآيات القرآنية في الضيق والشدّة من دون نقص، كقوله تعالى: ﴿والذين اتّخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين(1)، وقوله تعالى: ﴿ولا تمسكوهنّ ضراراً لتعتدوا(2).

أقول: بل إنّ الضرار في أمثال هذه الموارد ـ أيضاً ـ يوجب النقص، كما مضى منّا في مثال منع شخص من الخروج من البلد، أو الاشتراك في الشركات، فإنّه نقص في حقّ استقرار الشخص وراحته وحريّته وسكون باله ونحو ذلك ممّا يعدّ حقّاً عقلائيّاً أو قانونيّاً، على أنّ الضرر ـ أيضاً ـ استعمل في بعض الآيات فيما نظنّ أنّه لم يلحظ فيه نقص من غير ناحية الضيق والشدّة، كما في قوله تعالى: ﴿ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنّهم لن يضرّوا اللّه شيئاً يريد اللّه أن لا يجعل لهم حظّاً في الآخرة ولهم عذاب عظيم * إنّ الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضرّوا اللّه شيئاً ولهم عذاب أليم(3).


(1) س 9 التوبة، الآية 107.

(2) س 2 البقرة، الآية 231.

(3) س 3 آل عمران، الآية 176 ـ 177.