المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

557

فالأوّل كعنوان التعظيم الثابت بالثناء على شخص، والثاني كعنوان التعظيم الثابت بالقيام لشخص مثلاً، فإنّ القيام تعظيم حقيقة، كما أنّ الثناء تعظيم حقيقة، لكنّ القيام إنّما هو تعظيم حقيقة في طول الجعل العرفي، والعناية العرفيّة، وبما أنّه صار في طول ذلك تعظيماً حقيقة فلذا يعترف من يعيش في مجتمع آخر بأنّ القيام تعظيم واقعاً، ولكنّه يقول: إنّه تعظيم بلحاظ المجتمع الفلاني، لا بلحاظ مجتمعنا، والثالث كمطلق العناوين العنائيّة والمجازيّة من قبيل إطلاق أسد على الرجل الشجاع مجازاً.

فإذا ورد لفظ مطلق في كلام الشارع فهو كما يشمل الوجود الحقيقي الأوّلي لذلك الشيء يشمل ـ أيضاً ـ الوجود الحقيقي الذي يكون في طول عناية العرف إذا كانت تلك العناية عند المجتمع الذي يتكلّم الشارع بلغته وعرفه، فإنّ ظاهر حاله هو التكلّم بعد البناء على كلّ ما بنى عليه هذا المجتمع ممّا يؤثّر في أمثال هذه الاُمور، وكلمة (الضرر) من هذا القبيل، فإنّه كما يشمل قطع اليد مثلاً الذي هو ضرر حقيقي أوّلي، كذلك يشمل منع الشريك من حق الشفعة، فإنّ هذا وإن لم يكن ضرريّاً من أصله، لكنّه ضرري في طول عناية العرف القائل بثبوت حقّ الشفعة للشريك، فبعد ثبوت هذا الحقّ له بحسب الارتكاز العقلائي يكون سلبه عنه نقصاً يرد عليه في حقوقه العقلائيّة، وهو ضرر حقيقي، فإنّ الضرر عبارة عن النقص ولو في أمثال هذه الحقوق، لا في خصوص المال، والنفس، والعرض، وحقّ الشفعة ـ على ماتشهد به الشواهد التأريخيّة ـ كان موجوداً في نظر العرف والعقلاء في الجاهليّة، ومعترفاً به في المجتمع الذي ظهر فيه الإسلام، بل كان ثابتاً في نُظُم عديدة كالفقه الروماني.

وأمّا حقّ الانتفاع من فضل الماء وما أشبه ذلك من الملكيّات الواسعة فهذا وإن لم يكن عليه شاهد تأريخي، لكنّه يحتمل كونه ثابتاً في ارتكازهم، فيكون نفس تطبيق (لا ضرر) على المنع عن ذلك في الرواية شاهداً على ذلك.

ومن هنا ظهر الوجه في تطبيق (لا ضرر) على بعض الخيارات، كخيار الغبن، وتبعّض الصفقة ونحو ذلك. ويرتفع به ما قد يورد على التمسّك بالحديث لإثبات هذه الخيارات: من أنّه (لا ضرر) في عدم خيار الغبن مثلاً، وخصوصاً في خيار تبعّض الصفقة حيث يقال مثلاً: أيّ ضرر ونقص يرد على عدم هذا الخيار عند تبعّض الصفقة في حين أنّ تبعّض الثمن لا محالة يتبع تبعّض الصفقة؟! وجواب ذلك كلّه: أنّ هذه الخيارات حقوق عقلائيّة، فنفيها إيراد للنقص في الحقوق العقلائيّة، وهذا ضرر