المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

558

منفي بلا ضرر، فقاعدة (لا ضرر) تفيد الإمضاء في أمثال هذه الموارد ممّا يكون الضرر فيها في طول حقّ عقلائي، كما تفيد التأسيس في موارد الضرر الحقيقي الأصلي.

والمحقّق العراقي(قدس سره) هذا العالم الخبير البصير أدرك بذهنه الوقّاد أنّ حديث (لا ضرر) يوجد له متمّم في المرتبة السابقة عليه، فسلخ حديث (لا ضرر) عن كونه مؤسّساً لقواعد فقهيّة، نظير مؤسّسيّة أصل البراءة والاستصحاب مثلاً، وجعله مشيراً الى قواعد مجعولة من قبل(1)، نظير ما مضى بشأن حديث مسعدة بن صدقة الذي جاء فيه: «كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف أنّه حرام»، وخالف (قدس سره) بذلك المشهور الذين فرضوا هذا الحديث مؤسّساً لقواعد فقهيّة، والصحيح ما عرفته منّا من الموقف الوسط.

الأمر الثاني: أنّ تخيّل ابتلاء حديث (لا ضرر) بكثرة التخصيصات نشأ من الجمود على الظهور الأوّلي للكلام بغض النظر عن مناسبات الحكم والموضوع، والارتكازات الاجتماعيّة. توضيح ذلك: أنّ من مقوّمات الشريعة بحسب المرتكز العقلائي اشتمالها على قواعد ونظم تحقيق العدالة الاجتماعيّة من قصاص، وضمان، وضرائب ماليّة ونحو ذلك، فحينما ينفى الضرر بالنسبة الى شريعة يجب أن تحفظ شريعيّة الشريعة، ثم يقال: إنّها ليست ضرريّة، فنفي تحقّق الإضرار من قبل الشريعة لا يشمل أمثال هذه الاُمور، وليس من قبيل نفي تحقّق الأضرار من قبل زيد مثلاً، فإنّ ضرريّة كلّ شيء بحسبه، ولو أن أحداً قال: إنّه عندي شريعة لا يرد منها ضرر على أيّ أحد فهي لا تُضمّن المتلِف، ولا تعاقب السارق، ولا تقتصّ من القاتل، ولا تجبي ضريبة ماليّة من أيّ شخص وهكذا، لاستهزىء به، وقيل له: أيّ شريعة أضرّ من هذه الشريعة؟!

هذا بالنسبة للأضرار المحقّقة لسعادة المجتمع والعدالة الاجتماعيّة، وبعد هذا لم يبق حكم ضرري مخصّص لقاعدة (لا ضرر)، أو أنّه بقي بمقدار غير مستهجن، فهي من قبيل سائر العمومات التي قد تخصّص، ومن الواضح أنّه ليس كلّ ما يكون من قبيل الصلاة والصوم ضرراً، إلّا بمعنى النقص في حقّ الحرية والراحة، لكنّه ليس للعبد مثل هذا الحقّ تجاه المولى تبارك وتعالى.


(1) راجع المقالات: ج 2، ص 116 ـ 123.