المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

559

والأصحاب بعد الغفلة عمّا ذكرناه ابتلوا بإشكال كثرة التخصيصات، لوضوح ضرريّة مثل الجهاد، والقصاص، والضرائب الماليّة ونحو ذلك، فأجابوا عنه بعدّة أجوبة، نذكرها هنا بعد طيّ ما أبداه الشيخ الأعظم(قدس سره): من كون التخصيص بعنوان واحد(1)، وعدم قبول هذا الوجه من قبل المتأخّرين عنه، فقال بعض بعدم الفرق بين كون التخصيص بعنوان واحد وعدمه، وقال بعض: إنّ المقام من القضايا الخارجيّة، وهذا الفرق إنّما يتمّ في القضايا الحقيقيّة.

الجواب الأوّل: ما ذكره المحقّق الخراساني(رحمه الله): من أنّ حديث (لا ضرر) ظاهر في كون الضرر مانعاً عن الحكم، فلا يشمل فرض كون الضرر بنفسه مقتضياً للحكم، كما في الموضوعات التي تكون من أصلها ضرريّة، فهو يختصّ بالحكم بما لا يكون ضرريّاً في نفسه، وتتّفق ضرريّته في بعض الأوقات، فيرفع إطلاقه(2).

ويرد عليه: أنّ المتعلّقات الضرريّة كالجهاد، والخمس، والزكاة وغير ذلك ليس المقتضي للحكم فيها الضرر المترتّب عليها، وإنّما المقتضي له المصالح المترتّبة عليها، فليدلّ الحديث على مانعيّة الضرر فيها.

الجواب الثاني: ما ذكره المحقّق النائيني(قدس سره): من أنّ حديث (لا ضرر) حاكم على الأحكام بملاك النظر إليها، والنظر الى الحكم فرع فرض الفراغ عن ثبوت ذلك الحكم، إذن فينحصر الأمر في كون الحديث رافعاً لإطلاق الحكم، لا نافياً لأصل الحكم، فلا يشمل الحكم الذي يكون ضرريّاً من أصله(3).

ويرد عليه: أنّ الحديث ناظر الى الشريعة بما هي مجموعة قوانين وأحكام، لا الى الأحكام بما هي فرداً فرداً فينفي ثبوت الحكم الضرري في هذه الشريعة، فينتفي بذلك ـ لا محالة ـ الحكم الضرري من أصله. كما ينتفي به الإطلاق الضرري للحكم.

الجواب الثالث: ما ذكره المحقّق النائيني(قدس سره) أيضاً(4): من دعوى عدم ضرريّة تلك الأحكام في الغالب، وذلك بإبداء نكات خاصّة في كلّ واحد واحد منها:

فذكر في الخمس والزكاة أنّه ليس ضرراً، بل هو عدم نفع؛ لأنّه ليس إلّا عبارة


(1) راجع الرسائل: ص 316 بحسب الطبعة المشتملة على تعليقة رحمة اللّه.

(2) راجع الكفاية: ج 2، ص 269 بحسب الطبعة المشتملة على تعليقة المشكيني.

(3) راجع قاعدة (لا ضرر) للشيخ موسى النجفي، ص 211.

(4) راجع قاعدة (لا ضرر) للشيخ موسى النجفي، ص 212.