المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

568

مدركهم في نفي الوجوب كلا الأمرين من القاعدة وحرمة الإضرار: أنّنا كيف نعرف أنّ الأصحاب كانوا يسلّمون بقاء الملاك في المقام؟ فإنّ إثبات بقاء الملاك إمّا يكون عن طريق ما ذهب إليه المحقّق العراقي(قدس سره) من أنّ الدلالة الالتزاميّة للأمر بالوضوء على ثبوت الملاك لا تسقط عن الحجيّة بسقوط دلالته المطابقيّة عنها، أو عن طريق ما للمحقّق النائيني(قدس سره) من مبنى أدقّ من هذا، وهو مسألة إطلاق المادّة في المرتبة السابقة على عروض الهيئة، وتفصيل ذلك موكول الى محلّه، وكون الأصحاب معترفين بأحد المبنيين غير معلوم.

ثمّ الحقّ صحّة الوضوء في المقام لا لأحد المبنيين، فإنّنا لا نساعد على شيء منهما، بل لكون الوضوء مأموراً بأمرين: أمر وجوبي مقدّمي، وأمر استحبابي نفسي، و (لا ضرر) وإن أسقط الأوّل، لكنّه لا يسقط الأوامر الاستحبابيّة على ما سيأتي ـ إن شاء اللّه ـ . ونقول ـ أيضاً ـ: إنّ عدم ذهاب المشهور الى الصحّة لا يدلّ على كونهم ناظرين الى حرمة الإضرار؛ إذ لعلّهم لا يقولون بالاستحباب النفسي للوضوء، أو بعدم نفي (لا ضرر) للأوامر الاستحبابيّة.

النكتة الثانية: أنّهم مع اعترافهم ببطلان الوضوء إذا كان ضرريّاً قالوا بالصحّة في خصوص ما إذا كان الشخص جاهلاً بالضرر، وهذا إنّما ينسجم مع كون المدرك مسألة اجتماع الأمر والنهي، وتغليب جانب النهي؛ لما ذكروا في الاُصول من أنّ هذا بابه باب التزاحم المؤثّر لدى العلم دون الجهل، فمثلاً: الصلاة في المكان المغصوب جهلاً صحيحة، ولا ينسجم مع كون المدرك قاعدة (لا ضرر)، فإنّ القاعدة لا يختصّ جريانها بصورة العلم، فلو تمّ الاستدلال بها ثبت البطلان حتّى في حال الجهل.

ويرد عليه بغضّ النظر عمّا عرفت من أنّ هذا لو دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ حكمهم بالبطلان يستند الى حرمة الضرر، ولا يدلّ ذلك على عدم استنادهم في نفي الوجوب الى قاعدة (لا ضرر) ولو من باب الاستناد الى مدركين: أنّ قاعدة (لا ضرر) إنّما تجري في صورة العلم دون الجهل، فلعلّهم أدركوا بذهنهم العرفي عدم جريان القاعدة في صورة الجهل، والسرّ في عدم جريانها في صورة الجهل: هو أنّ القاعدة ترفع الحكم ليرتفع الضرر، وهذا إنّما يعقل في صورة العلم، وأمّا في صورة الجهل فرفع الحكم لا يكون قابلاً لرفع الضرر أصلاً حتّى يثبت انتفاؤه بنفي الضرر، فإنّ المكلّف جاهل ـ حسب الفرض ـ بالضرر، فهو يتوضّأ حتّى لو رفع الوجوب الضرريّ، ولا يمكن إلفاته الى عدم وجوب الوضوء عليه، إلّا بأن ينسخ وجوب