المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

572

هذا. وأجاب هو(قدس سره)عن الإشكال بجوابين(1):

الجواب الأوّل: أنّ الضرر بوجوده الحدوثي ثبت بالإجماع، فالقاعدة خصّصت بالإجماع بإخراج الحكم بالصحّة عن إطلاقها، وعندئذ نتمسّك بإطلاقها لنفي الضرر بوجوده البقائي.

وهذا الجواب إنّما يلائم الصيغة الاُولى للإشكال، وهي التي ينظر هو(قدس سره)إليها، ولا يرفع الإشكال بصيغته الثانية كما هو واضح، فإنّه لو قيل: إنّ (لا ضرر) إنّما ينفي الوجود الحدوثي، وإنّ ذلك إنّما يكون بالحكم بالصحّة، فبعد فرض خروج ذلك عن إطلاق القاعدة بالإجماع لا معنى للتمسّك بالقاعدة لنفي الوجود البقائي.

الجواب الثاني: أنّ الحكم بالبطلان يكون على خلاف الامتنان؛ إذ لو حكم بالصحّة مع كون البيع غير لازم كان للمغبون الخيار في أن يفكّر ويختار ما هو الأصلح لنفسه من الفسخ أو الإمضاء، وأمّا إذا حكم ببطلان البيع فلا يبقى له مجال للتفكير واختيار ما هو الأصلح له.

وهذا الجواب ـ أيضاً ـ إنّما يلائم الصيغة الاُولى للإشكال، فبناءً على كون الحديث مقتضياً في نفسه لرفع اللزوم يقال: إنّ رفعه للصحّة خلاف الامتنان؛ لأنّ حال المغبون بعد فرض نفي الصحّة بـ(لا ضرر) يكون أسوء منه قبل ذلك؛ إذ لولا نفي الصحّة فهو بالخيار إن شاء فسخ وإن شاء أمضى، وليس مضطرّاً إلى رفع اليد عن البيع؛ لعدم بطلانه، ولا إلى الالتزام به؛ لأنّ حديث (لا ضرر) يوجد فيه ـ على أيّ حال ـ اقتضاء نفي اللزوم، فاقتضاء الحديث إضافة الى ذلك لنفي الصحة يسيء بحال المغبون، فيخرج هذا الاقتضاء عن إطلاق الحديث؛ لكونه مخالفاً للامتنان. وما مضى منّا وسيأتي ـ إن شاء اللّه ـ مفصّلاً من منع اشتراط امتنانيّة القاعدة إنّما هو بلحاظ غير من يقصد رفع الضرر عنه بالقاعدة، وأمّا بالنسبة له فهي امتنانيّة.

وأمّا إذا أخذنا بالصياغة الثانية للإشكال، وقلنا: إنّ القاعدة ليس فيها من أوّل الأمر عدا اقتضاء نفي الصحّة، فمن الواضح أنّ هذا يكون بحسب غالب الأحوال مطابقاً للامتنان، فإنّ نفي الصحّة أوفق بحال المغبون من عدمه، أي: أنّ حاله بعد تطبيق القاعدة عليه يكون أحسن من حاله قبله؛ إذ قبل ذلك يكون البيع الغبنيّ لازماً عليه، وبالقاعدة أصبح البيع باطلاً فارتفع الغبن.


(1) راجع نفس المصدر السابق.