المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

574

الإيراد الثاني: أنّه لا يمكن تطبيق قاعدة (لا ضرر) في المقام، فإنّه إنّما يندفع بها حدوث الضرر، والحدوث قد تحقّق حتماً بصحّة البيع، وإنّما الكلام في البقاء، وقاعدة (لا ضرر) لا تنفي الوجود البقائي بعد فرض حدوث الشيء.

وهذا الإيراد قد عرفت حاله بحسب تفرّعه على المباني، أي: عرفت أنّه إنّما يتّجه بناءً على استظهار كون المنفي حدوث الشيء، واستظهار كون مصبّ النفي الضرر الخارجي، أو كونه هو الحكم، لكن بشرط أن يُرى اللزوم والصحّة حكماً واحداً.

والجواب عن هذا الإيراد: هو أنّ الصحّة بما هي ليست ضرريّة، فإنّ الضرر ليس عبارة عن مجرّد النقص، وإنّما هو النقص الموجب للضيق النفسي، والحرج الباطني الذي يكون في خصوص ما إذا فرض عدم تمكّن الشخص من التخلّص عن النقص المتوجّه إليه.

والخلاصة: أنّ (لا ضرر) ـ على ما سوف يأتي تفصيله إن شاء اللّه ـ لا يشمل النقص الذي يكون تحت اختيار الشخص، ويمكنه رفعه وإزالته. ومبنيّاً عليه نقول في المقام: إنّ الصحّة بما هي ليست ضرريّة، فإنّ الضرر إنّما يتحقّق بعد فرض ترتّب اللزوم على العقد الصحيح؛ إذ لو فرضت الصحّة وحدها كانت إزالة النقص تحت سلطان المغبون، وذلك بأن يفسخ المعاملة، فالضرر إنّما ينشأ من الحكم الأخير، وهو الحكم باللزوم، ومهما ترتّب ضرر على أحكام مترتّبة بحيث لا يتحقّق الضرر إلّا بعد ترتّب كلّ تلك الأحكام الطوليّة، فلا محالة إنّما يرفع به الحكم الأخير دون ما قبله تقديراً للضرورة بقدرها. نعم لو فرض أنّه على تقدير الصحّة لا مناص من الحكم باللزوم، تكون الصحّة ضرريّة لا محالة، وتنطبق عليها قاعدة (لا ضرر)، فتطبيقها على الحكم باللزوم حاكم على تطبيقها على الحكم بالصحّة. وبهذا يرتفع الإشكال سواء فرض بهذه الصياغة، أو بالصياغة التي مضت عن المحقّق الإصفهاني(قدس سره).

الإيراد الثالث: أنّ (لا ضرر) يدلّ على نفي الضرر، لا على تدارك الضرر، فلا بدّ أن يدلّ هنا على بطلان البيع، لا على ثبوت الخيار بعد فرض صحّته، فإنّ هذا تدارك للضرر.

ويرد عليه: أنّ هذا لا يتمّ لا على مبنانا؛ لما عرفت من أنّ الضرر إنّما يحدث باللزوم، والصحّة وحدها ليست ضرريّة، فنفي اللزوم نفي للضرر لا تدارك له. ولا على ما مضى من مبنى المحقّق الإصفهاني (قدس سره) من أنّ الضرر له وجود مستمرّ قبل