المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

575

الفسخ وبعده، وقد ثبت وجوده قبل الفسخ بالإجماع، ويُنفى وجوده بعده بـ(لا ضرر)، فإنّ نفي اللزوم ـ عندئذ ـ نفي لبقاء الضرر، وليس هذا تداركاً للضرر، وإنّما يكون تدارك الضرر بمثل جعل الأرش، وأمّا جعل الخيار فهو نفي للضرر، إمّا حدوثاً كما هو الصحيح، أو بقاءً، كما هو مختار المحقّق الإصفهاني(رحمه الله).

الإيراد الرابع ـ وهو في الحقيقة محاولة لإثبات عدم انطباق القاعدة على كلام الفقهاء في المقام ـ: هو أنّهم حكموا بسقوط هذا الخيار بالإسقاط، وهذا من آثار الجواز الحقّيّ، مع أنّ (لا ضرر) إنّما يدلّ على الجامع بين الجواز الحقّي والحكمي في المقام، فكيف ثبت الجواز الحقّيّ هنا؟

والجواب: أنّه يمكن إثبات نتيجة حقّيّة الجواز في المقام، أي: إثبات سقوط هذا الخيار بالإسقاط بما سوف يأتي ـ إن شاء اللّه ـ من أنّ الضرر الذي يقدم عليه لا ينفى بقاعدة (لا ضرر)، والتزامه بالبيع بعد معرفة الغبن إقدام على هذا الضرر، ولا فرق في ذلك بين كون الإقدام في مرحلة البقاء أو في مرحلة الحدوث، فكما أنّ من علم بالغبن ومع ذلك أقدم على المعاملة لا خيار له، كذلك من لم يعلم بالغبن وعامل ثمّ عرف الغبن والتزم بالمعاملة الصادرة سقط خياره بالإقدام على الضرر. وبذلك تثبت نتيجة الحقّ في المقام(1).

بل يمكن إثبات ذات الحقّ في المقام، وتوضيح ذلك: أنّ الحكم الذي كان يأتي من قبله الضرر، والذي ارتفع بقاعدة (لا ضرر) كان هو لزوم البيع الغبنيّ حسب الفرض، وهذا اللزوم كان لزوماً حقّيّاً، ولم يكن لزوماً حكميّاً، أي: أنّه من حقّ أحد المتبايعين على الآخر عدم فسخ المعاملة، ولذا ترى أنّه من الصحيح أن يفسخ أحد المتبايعين البيع إذا أقاله صاحبه، وهذا بخلاف النكاح الذي لا مورد للإقالة فيه، وهذا يعني أنّ لزوم النكاح لزوم حكمي، في حين أنّ لزوم البيع لزوم حقّيّ.

والتكييف العقلائي لكون لزوم البيع لزوماً حقّيّاً لا حكميّاً هو ما يلي:

إنّ البيع كما يدلّ على الالتزام بتمليك المال للطرف المقابل، كذلك يدلّ بالدلالة الالتزاميّة العرفيّة على تمليكه إيّاه نفس هذا الالتزام، فإنّ هذا الالتزام يكون بغضّ النظر عن هذا التمليك ملكاً للمالك الأوّل، فله أن يتراجع عن التزامه في أيّ


(1) لا نرى فارقاً ماهويّاً بين الحقّ والحكم عدا كون أمر الحقّ بيد ذي الحقّ، فيكون له إسقاطه، فمتى ما ثبت جواز الإسقاط فقد ثبت الحقّ.