المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

576

وقت شاء ما لم يملّكه للطرف الثاني، وهو بالفعل يملّكه هذا الالتزام فيتمّ اللزوم الحقّي، أي: يكون قوله: «بعت» بمنزلة قوله: «التزمت بتمليكك هذا المال التزاماً لا رجعة لي فيه».

وقد يفترض أنّه لا يملّكه هذا الالتزام، كما في مورد شرط الخيار(1). فيبقى الجواز الحقّي ثابتاً، وقد يفترض أنّ الشارع لم يمض ما ظهر بهذه الدلالة الالتزاميّة، كما في مورد خيار الحيوان، فأيضاً يبقى الجواز الحقّيّ ثابتاً.

وفي مقابل هذا الجواز جواز حكمي، وهو تزلزل العقد في نفسه من دون نظر الى مسألة التزام المتعاملين، كما يقال في جواز الهبة. كما أنّ في مقابل هذا اللزوم الحقّي اللزوم الحكمي، وهو حكم الشارع بلزوم العقد في نفسه من دون نظر الى مسألة التزام المتعاملين، كما قلنا في النكاح، ولذا لم تصحّ الإقالة في النكاح وصحّت


(1) لا نفهم من كلمة (بعت) إلّا تمليك المال، وشرط الخيار أمر إيجابيّ، أي: أنّه يضيف الى العقد شرط الخيار الحقّيّ، وليس أمراً سلبيّاً بمعنى سلبه من العقد شرط اللزوم الذي كان كامناً في العقد، ولولا شرط الخيار كان البيع لازماً عقلائيّاً، لا لشرط اللزوم أو تمليك الالتزام، بل لأنّ الفسخ واسترجاع المال تصرّف في مال الغير فيكون مخالفاً لسلطنته عليه.

وأمّا خيار المجلس والحيوان ـ لو سلّمنا كونهما خياراً حقّيّاً لا حكميّاً ـ فإنّما هو لأجل الاستظهار من دليلهما، حيث يفترض أنّ ظاهر الدليل بمناسبات الحكم والموضوع إثبات الخيار كحقّ لذي الخيار، لا فرضه كحكم عليه.

وأمّا جريان الإقالة بشأن البيع فهي كنفس البيع من الاُمور العقلائيّة التي تتمّ برضا الطرفين، وفي النكاح لا تأتي الإقالة إمّا تعبّداً محضاً، أو بموافقة العقلاء أيضاً؛ لما يرونه من ضرورة نوع من ثبوت الاستقرار في النكاح أكثر ممّا هو في البيع.

هذا. ونحن في نفس الوقت لا نتحاشى عن أن يكون هناك عادةً في مثل البيع شرط ضمني ارتكازي وهو شرط اللزوم، فلو أنّ أحدهما علم أنّ الملك ليس مستقرّاً لديه فيما يشتريه، ويحتمل في أيّ لحظة أن يفسخه الطرف الآخر، قد لا يقدم على الشراء، إلّا أنّنا نقول: إنّه ليس هذا الشرط هو الذي فرض الخيار بحيث لولاه لكان الأصل في البيع التزلزل؛ لأنّه لم يملّك التزامه لصاحبه، بل حتّى مع فرض عدم هذا الشرط يكون البيع لازماً؛ لأنّه يفيد التمليك وبالتالي تنتقل قاعدة السلطنة منه الى صاحبه، والفسخ رغماً على المالك الجديد خلاف سلطنته.

نعم، لو لم يشتمل العقد على تمليك المتعلّق، بل كان مجرّد التزام، كما هو الحال في عقد الأجير الذي هو التزام بعمل للمستأجر، فهنا يأتي ما ذكره اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) من أنّ العقد يدلّ ـ لولا شرط الخيار ـ على الالتزام بالعمل، وعلى تمليك هذا الالتزام للمستأجر.