المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

578

الثاني: أنّ ما نحن فيه داخل في تعارض الضررين، فإنّ اللزوم وإن كان ضرريّاً على المغبون، لكن الفسخ ـ أيضاً ـ ضرر على الغابن، فإنّ الغابن قد أصبح مالكاً لهذا الشيء الذي يساوي دينارين واشتراه بدينار مثلاً، فبالفسخ يتضرّر بمقدار دينار واحد.

والجواب: إنكار الصغرى في المقام، بيانه: أنّ هذا المال للغابن كان مثقلاً في نظر العقلاء من أوّل الأمر بحقّ الاسترداد للغابن، فإذا استردّه المغبون لا يصدق الضرر بشأن الغابن، ولذا لا يستشكل العرف في صحّة نفي اللزوم هنا بملاك نفي الضرر، لا من باب تقديم ضرر على ضرر.

الثالث: أنّ الغابن كما يملّك عين ماله في مقابل مال آخر، كذلك يملّك على ما مضى التزامه في مقابل التزام آخر، فإذا ملّك التزام نفسه للمغبون من دون أن يتملّك هو في مقابل ذلك التزام المغبون كان ذلك ضرراً عليه، والمفروض في المقام أنّ الغابن ليس له الخيار، وهذا يعني: أنّ المغبون مَلَكَ التزام الغابن من دون تملّك الغابن بالمقابل التزامه، وهذا هو الضرر.

والجواب: أنّ هذا إنّما يكون ضرراً في طول ثبوت ارتكاز عقلائي لحقّ للغابن، وهو حقّ أن لا يخرج التزامه من ملكه إلّا ويعطى في مقابله التزام الآخر، وأن لا يُتملّك عليه التزامه مجّاناً، ومثل هذا الارتكاز غير موجود، فلم يثبت له مثل هذا الحقّ حتّى يكون سلبه عنه نقصاً وضرراً عليه. نعم، لو أسقط المغبون حقّه والتزم بالبيع بعد علمه بالغبن ثبت مثل هذا الارتكاز، وتمّ هذا الإشكال. وهذا هو الوجه الآخر لسقوط الخيار بالإسقاط الذي كنّا قد وعدنا ذكره(1).


(1) كأنّ مقصود اُستاذنا الشهيد(رحمه الله): أنّ الوجه الثاني لقابليّة حقّ خيار الغبن للإسقاط هو أنّه بمجرّد أن يرضى بعد العلم بالغبن بهذا البيع الغبني يصبح في ارتكاز العرف الالتزامان متقابلين، أي: كما أنّ المغبون مَلَكَ التزام الغابن فليس للغابن حقّ سحب الالتزام، كذلك الغابن مَلَك التزام المغبون فليس للمغبون حقّ سحب الالتزام، وهذا معناه سقوط الخيار في نظر العرف. وهذا الأمر الارتكازي لم يرد عليه ردع، وحديث (لا ضرر) ليس رادعاً؛ لما عرفت من أنّ ضرر المغبون قد زاحمه ضرر الغابن بتملّك التزامه من قبل المغبون من دون أن يتملّك هو التزام المغبون، إذن فلا تجري في المقام قاعدة (لا ضرر)؛ كي تكون ردعاً عمّا عرفته من الارتكاز.

أقول: وبالإمكان أن يدّعى: أنّ الارتكاز العقلائي يحكم بنحو العموم بأنّ الحقّ قابل للإسقاط، وهذا بعد التنزّل عمّا قلناه من أنّ قوام حقّيّة الحقّ بقابليّته للإسقاط.