المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

60

وأمـّا الموقف النقضيّ، فقد أورد المحقّق النائينيّ(1) (قدس سره)النقض على القول بالعلّيّة بأنـّه في موارد العلم التفصيليّ قد ثبت الترخيص في ترك الموافقة القطعيّة في موارد قاعدة الفراغ والتجاوز ونحوهما، فهل صار العلم الإجماليّ أعلى وأشدّ تأثيراً من العلم التفصيليّ؟!

وأفاد المحقّق العراقيّ (رحمه الله) في مقام الجواب عن ذلك(2) : أنّ بعض الأعاظم خلط بين الأصل الجاري في مرحلة الامتثال والأصل الجاري في مرحلة التكليف، فإنّ قاعدة الفراغ وشبهها جارية في مرحلة الامتثال، ومثبتة لجعل البدل لحصول


سلوك أحد طريقيّ الذهاب إلى محلّ تواجد ذاك الدواء؛ لمغصوبيّة الطريق مثلاً، فهنا بالرغم من العلم التفصيليّ بوجوب علاج المؤمن، وتقديم الدواء له يمكن فرض الترخيص الظاهريّ في تركه؛ لأهمّيّة حرمة سلوك الطريق المغصوب مثلاً، وذلك لأنّ الترخيص الظاهريّ ـ حسب الفرض ـ هو الترخيص الناشىء عن تزاحم الغرضين في عالم المحرّكيّة، وهنا قد تزاحم غرض علاج المؤمن وغرض ترك الطريق المغصوب في المحرّكيّة، لا لعدم القدرة على الجمع بينهما، لكي يكون تزاحماً في عالم الامتثال، فإنـّه قادر على سلوك الطريق المباح والوصول إلى علاج المؤمن، من دون ابتلاء بالغصب، بل للجهل بما هو الطريق المغصوب، وعدم تمييزه عن الطريق المباح، فأيّ فرق بين الترخيص هنا والترخيص في موارد عدم العلم التفصيليّ كي يفترض إمكانيّة اجتماع الثاني مع الحكم الواقعيّ، بخلاف الأوّل؟ مع أنّ النكتة فيهما واحدة، وهي التزاحم في مقام المحرّكيّة.

وقد أفاد اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) في الجواب عن ذلك: أنّ هذا المثال بابه باب التزاحم في مقام الامتثال بين وجوب الانقاذ واقعاً، ووجوب الاحتياط بترك كلا الطريقين ظاهراً، وبكلمة اُخرى: إنـّنا نقصد بالحكم الخطاب، أو ما يكشف عنه الخطاب، الناشئ عن داعي حصول التحريك على تقدير الوصول، وهذا غير ممكن في باب التزاحم الامتثاليّ بما هو أهمّ مثلاً، فلا يوجد داعي التحريك في هذا المثال نحو علاج المؤمن، حتى مع وصول هذا الحكم، كما لا يوجد داعي التحريك نحو غير الأهمّ في باب الصلاة والإزالة مثلاً، وإنـّما يمكن ذلك في خصوص فرض عدم العلم التفصيليّ بالحكم الواقعيّ، فهذا الفرض هو الذي يمكن فيه انحفاظ الحكم الواقعيّ مع الترخيص الظاهريّ.

(1) راجع فوائد الاُصول: ج 4، ص 12.

(2) راجع المقالات : ج 2، ص 88 ـ 89، ونهاية الأفكار : القسم الثاني من الجزء الثالث ص309 ـ 315.