المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول، القسم الثاني - الجزء الرابع

61

الامتثال القطعيّ تعبّداً، ونحن لا نقول: إنّ العلم علّة تامّة لوجوب تحصيل القطع بالامتثال الوجدانيّ، وإنـّما نقول: إنـّه علّة تامّة لوجوب تحصيل القطع بالامتثال، سواء كان وجدانيّاً أو تعبّديّاً، ونقول بمثل ذلك في العلم الإجماليّ أيضاً، فإذا علمنا إجمالاً مثلاً بوجوب الظهر أو الجمعة، وورد دليل تعبّديّ على أنّ ذلك الواجب هو الظهر، فهنا نلتزم بجواز الاقتصار على الظهر؛ لأنـّه إن لم يكن هو الواقع فقد جعل بدلاً عنه، وحصلت الموافقة القطعيّة تعبّداً.

والخلاصة: أنّ العلم بالتكليف ـ سواء كان تفصيليّاً أو إجماليّاً ـ يستدعي الفراغ اليقينيّ: إمـّا بالوجدان، أو بالتعبّد، ومعه لا بأس بإجراء البراءة في الطرف الآخر. وأمـّا إجراؤها في أحد الطرفين من دون تحصيل القطع بالفراغ ـ ولو الفراغ التعبّديّ ـ فغير صحيح.

هذا ما أفاده المحقّق العراقيّ (قدس سره) في المقام.

والمحقّق النائينيّ (رحمه الله) ذكر في المقام: أنّ العلم الإجماليّ ليس علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعيّة، وإنـّما هو مقتض له، فإنّ العلم الإجماليّ لا يزيد على العلم التفصيليّ، وفي العلم التفصيليّ يمكن الاكتفاء بالموافقة الاحتماليّة؛ لأجل جعل البدل من قبل الشارع، وحصول القطع بالامتثال التعبّديّ، كما في مثال موارد قاعدة الفراغ والتجاوز، نعم يصحّ أن يقال: إنّ العلم الإجماليّ كالعلم التفصيليّ، يكون علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعيّة؛ بتعميم الموافقة القطعيّة إلى الوجدانيّة والتعبّديّة، لا خصوص التعبّديّة.

فكأنـّه (رحمه الله) يقول بالاقتضاء بلحاظ خصوص الموافقة القطعيّة الوجدانيّة، وبالعلّيّة بلحاظ الأعمّ من الوجدانيّة والتعبّديّة، ويحمل كلام الخصم القائل بالعلّيّة على علّيّة العلم الإجماليّ لوجوب الموافقة القطعيّة الوجدانيّة، وإلى هذا الحدّ من الكلام كأنـّه يبدو عدم وجود خلاف حقيقيّ بينه وبين المحقّق العراقيّ.

ولكن كان ينبغي له أن يفرّع على ذلك عدم إمكان جريان الأصل الواحد في أحد الأطراف، كما فرّع ذلك عليه المحقّق العراقيّ، إلاّ أنـّه خالفه في التفريع، ففرّع على المطلب إمكان إجراء الأصل الواحد في أحد الأطراف؛ لأنـّه يفيد جعل الطرف الآخر بدلاً عن الواقع، ويوجب حصول الموافقة القطعيّة التعبّديّة.